مُعافر على الرصيف.. «عم رمضان» رحلة 30 سنة مع الكتب: «مهنة الملوك.. وأنقذتني من العمى»
حوار وتصوير: إسلام كمال
في ركنٍ بجانب
مسجد «صلاح الدين» بمدينة المنيا يجلس «عم رمضان» بجوار بضاعته من الكتب والكتيبات
القديمة ومجلات ميكي والشبكة وصور وسِبح ومسك وبخور، يحمل على كاهله شوالًا ويلف
كل موالد مصر، يجمع كتب التراث ونوادر الكتب، تشتري منه كتبًا عظيمة بثمن بخس، جنيهات
معدودة أنت فيها من الزاهدين، ورغم أنه يبدو درويشًا شاردًا في غيّة من الوهلة الأولى،
لكن بعد الحديث معه لثواني قليلة تكتشف بسهولة أنه يعلم جيدًا قيمة الكتب التي يعرضها
بحكم الخبرة ولكن لا يهتم بعدد النقود التي سيحصل عليها مقابل بيعها، لأنه مؤمن بمقولة
«أكسب قليل.. بيع كتير.. تكسب أكتر»، وفي حديثه مع «الفيتشر» كانت إجاباته مثيرة للشجن
والتأمل الطويل.
عم رمضان .. هل
من الممكن أن تعرفنا بنفسك أكثر؟
أنا رمضان السيد،
أبلغ من العمر 57 عام، وأعمل في بيع كتيبات الأذكار والكتب الدينية والسبح والبخور.
منذ متى وتعمل
بتلك المهنة؟
حوالي 34 سنة
وأكثر، في بداية حياتي كنت «نقاش» ولكن تلك المهنة تضعف النظر ووضعتني على طريق
فقد بصري «كانت مثل سبيلي إلى العمى لا محالة»، فتركتها وعملت في بيع الكتب القديمة.
بعد رحلة 34 سنة
من العمل لا تفكر في الراحة؟
«أنا راحتي في
عملي، لو قعدت في البيت هتعب، هتخنق، ثم مين هيصرف عليا، لا أريد أن أحيا باقي حياتي
متسولا».
أليس لديك أبناء
يا عم رمضان يهتموا بشؤونك؟
«عندي أربعة.. ولدين وبنتين، كلهم متجوزين، جهزتهم من شغلي هذا»، وبعد أن أكملت رحلتي معهم على أكمل وجه أعيش حاليًا في حجرة بمفردي تحاوطني الوحدة من كل اتجاه بعدما رحلت توفت زوجتي قبل سنوات.
أقرأ أيضًا: بعد فوزه بمسابقة الإبداع وتطوير الوعي.. الشاعر محمد خالد
الشرقاوي في حديثه مع «الفيتشر»: ليس لدي مثل أعلى
أسرار المهنة
هل شغل الكتب والسبح
والبخور مربح بالنسبة لك؟
«بص هي شغلانة
ملوك، ياما ناس كتير عملوا ملايين من وراءها»، ولكن لست من هؤلاء بكل تأكيد، فلم
أطلب طيلة حياتي سوى الستر وليس غيره، أنا مش من أصحاب الملايين، أنا من طالبي الستر،
ولهذا من الممكن أن أربح من بيع كتاب أو سبحه جنيه واحد فقط، لكني راضِ ومكتفِ بذلك.
وهل جنيه أو أتنين
يتطلب كل هذا العناء؟
«أهي بترزق»..
جنيه من سبحة على 3 جنية من كتاب على 2 جنيه من زجاجة مسك، المهم الرضا.
اقرأ أيضًا: كابتن نور.. حكاية نجاح من عامل في جيم إلى صاحب مشروع
تطوير طابور الجيش الميداني: «كنت بنام من غير عشا»
نصائح على مشارف
الستين
لا أرى أحدًا
يساعدك في عملك؟
«المساعد ربنا»..
كل الذين ساعدوني كانوا سبب تأخري، كانوا بيسرقوني، ولكن سرقة بحرفية لا تلاحظ، ولكن
مع التكرار يكون الفلاس قريب، ولهذا قررت من فترة ألا أستعين بأحد في عملي.
هل تنصح أحد بالعمل
في مجالك؟
«زي ما قلت لك
هي شغلانة ملوك ولكن تحتاج صبر أيوب وعمر نوح ومال قارون.. زبالة بائع الكتب القديمة
فلوس».
ماذا تعني بـ «زبالة
بائع الكتب القديمة فلوس»؟
بائع الكتب القديمة
مثل العطار.. العطار «كناسة الدكان» يبيعها لك على أنها رجل العفريت وودن الجن وكذلك
الكتب كلما قدم تاريخ طباعة الكتاب كلما ارتفع سعره لأنه يصبح تراث.
قول للزمن أرجع يا زمان
وما الفرق بين
الماضي والحاضر على مستوى مهنتك؟
«زمان كان هناك
خير، كنت أحمل 4 حقائب كبيرة على كتفي، وبعمل فرش كبير، كانت الحاجات بفلوس زهيدة ومتوفرة،
أما الآن فالحالة مش ولابد، كل حاجة سعرها رفع والزبون بتطلع منه القرش بالتيلة، لا
عاد فيه كتب حلوة زي زمان ولا زبون غاوي ممكن يدفع أي مبلغ للحصول على كتب يريده».
الخبرة وحدها
لا تكفى
وهل أنت قارئ يا
عم رمضان؟
كنت أقرأ بعض
الكتيبات البسيطة وحافظ أجزاء من القرآن ولكن مع الزمن صار نظري ضعيف فلا اقرأ شيئا،
ولكن أسمع الراديو وأشاهد التلفزيون.
وكيف تختار
الكتب التي تبيعها؟
بحكم الخبرة..
هناك كتاب عنوانه بياع وفيه كتاب ثقيل في بيعه، وأحيانا كثيرة لا أستطيع التفرقة، لأني
لست صاحب ثقافة كبيرة، فأختار وأنا وحظِ، وطبعا هذا لا أنصح به، ولكن ليس لي مخرج آخر.