«نعكشة في التاريخ».. إسلام كمال يكتب: حين وصف طه حسين بـ «الزنديق»
إعداد: إسلام كمال
في حلقة جديدة
من سلسلة «نعكشة في التاريخ» يتناول الكاتب الصحفي إسلام كمال، الجزء الأول من
قصته القصيرة «محاكمة طه حسين»، والتي يستعرض فيها كيف بدأت حالة كبيرة من الهجوم
على الأديب الكبير الراحل على يد بعض من الشيوخ لدرجة جعلت منهم يتجرأ ويصفه بـ
«الزنديق».
بعد حادث العدوة
الإرهابي ضد أقباط المنيا، بدأ الأزهر في نشر شيوخه في مساجد مصر تحت شعار تجديد الخطاب
الديني، كانت عبارة عن جلسات تقام بين صلاتي المغرب والعشاء.. حضرت بعضها ولم تضف أي
جديد؛ يتحدثون عن طريقة الوضوء وعلاقة الرجل بالمرأة والحور العين التي تعود أبكارًا،
وهنا تتسع أعين الحاضرين وتنتصب آذانهم، بعد أن كانوا يغطون في نوم عميق.
مللت هذه الجلسات
السقيمة التي لا يتحملها إلا الذي باستطاعته السيطرة على الأجزاء القابلة للانفجار
في جسده، وفي يوم قرر الشيخ أن يحدثنا عن طه حسين، هذا الزنديق الخارج عن تعاليم الأزهر
-على حد وصفه وقتها- بدأ كلامه بأن الدكتوراه التي حصل عليها طه حسين فخرية، وأنهاه
بأنه هو من أدخل العامية إلى مصر، وبين البداية والنهاية وصلة من الردح ضد الرجل، وقفت
وقلت للشيخ أن كلامه كذب والحقيقة ليست منه بمكان، وأن ما يفعله هو تزييف للحقائق،
وأين هو من الشيخ مصطفى عبد الرازق ومحمد عبده، تعالت الأصوات وتداخلت من حولي طالبة
صمتي أو رجمي، لم أكترث لها وتابعت أنه لم يعرف عن طه حسين إلا اسمه، لأن كلامه يدل
عن جهله بالرجل.
اقرأ
أيضًا: صعيدي في القاهرة.. قصة قصيرة من تأليف إسلام كمال
دكتوراه فخرية
حصل طه حسين على
تسع دكتوراه، منها الفخرية وغير الفخرية، أولها من الجامعة الأهلية التي حُوّل إليها
طه حسين بعد طرده من الأزهر؛ حين تواطؤ شيوخه عليه، وكان موضوعها ذكرى أبي العلاء المعري،
وأخرى حصل عليها من جامعة السوربون في فرنسا وكان موضوعها عن ابن خلدون، فضلا عن مجموعه
من الرسائل الفخرية من جامعات عالمية.
هذا الشيخ لم يقرأ
له حرفًا لأنه لو قرأ لعرف أن طه حسين يمقت العامية، لا يتحدث بها أو يستخدمها في كتاب،
وكان دائم النقد لكُتاب الجيل التالي لأنهم ضعيفي اللغة ويستخدمون فصحي مخففة لا ترقى
لمستوى الأدب، ورفض العامية لأنه يرى أن العامية لا يفهمها إلا قُرّاء بلد الكاتب،
فاللكنة تختلف من بلد لآخر، بل من مكان لآخر داخل البلد نفسها، ولذلك الفصحى قادرة
وعابرة للحدود يستطيع فهمها كل سكان الوطن العربي.
اخرس!.. كلمة خرجت
واهنة هامسة لا زاعقة حانقة كما أرادها صاحبها، عندما نظرت إليه للوهلة الأولى كان
رجلاً تجاوز السبعين، تتحمله ساقاه بصعوبة، حطمه الزمن، من دراويش الشيخ عندما يراه
يقبل عليه وينحني يريد لثم يده، حدثت نفسي أن ربما لو اشتد الكلام بيني وبينه يسقط
صريعًا فتجاهلته، ولكنه لم يكف عن وصفي بأني حاقد وقليل الرباية وكيف أتطاول على العلماء،
وقبل أن أصل لزمارة رقبته حال بيني وبين الرجل شخص ضخم طالبًا مني أن اهدأ وأغادر المكان،
كان هذا الضخم أمين شرطة.
اقرأ
أيضًا: بالحلقة الثانية من «نعكشة في
التاريخ».. إسلام كمال يكشف دور الحاجة «فضة» بحياة «الخط«
مخبر
وفي بداية الجلسات
عرض علينا أن نجمع أسماءنا في ورقة، كل اسم بجانبه العنوان ورقم الهاتف، حيث عندما
يغيب واحد عن حضور الجلسات نتصل بيه ونطمئن عليه، وممكن أيضًا ان ننشئ جروبًا على الفيس،
جروب خدمي يضم أصحاب المهن: سباك، كهربائي، مبيض محاره، أشخاص من الحاضرين أو أصدقاء
أو أقارب لهم، لأن الأقربين أولى بالمعروف والمسلم لأخيه المسلم، قال كل هذا قبل أن
نعرف هويته وأنه مخبر، وقتها تلجلج وتلعثم الشيخ وقال إنه غير موافق لأن هذا يحتاج
إلى تصريح.
استعدت الموقف
بينما يحتضني أمين الشرطة فقلت إن سيادة الرئيس دائمًا يطالب بتجديد الخطاب الديني
ونبذ العنف والقضاء عن الطائفية والتخلي عن الحنجورية بينما هذا الشيخ ينفث الكراهية
ويبثها، لأن أي شخص حاضر جائز أن يسمع كلامه ويطبقه، ويكون أقرب إلى تشريع بأن كل من
يختلف معك فكريا على الأقل هو كافر مرتد، وحكم المرتد القتل كما يروج، لذا فإن أي كاتب
يسير على نهج طه حسين ربما يُقتل من شخص متعصب، ويفوز بالحور العين في الجنة لأن لا
أمل له في الزواج في هذه الدنيا البائسة.
غادر أمين الشرطة
وكذلك أنا المسجد، أخرج علبة سجائره وقدمها لي، اعتذرت وقلت له لا أدخن، سألني عن عملي
فأجبت مراوغًا كوافير حريمي، ضحك وقالي حياتك كلها مع الستات يعني، بادلته الضحك وقلت
له هن الحور العين على الأرض يا رجل فلماذا انتظر الآخرة، وقبل أن نفترق سألني عن اسمي،
قلت له مكاوي، اسمي مكاوي، وتركته وبيني وبين نفسي أخذتُ قرارًا ألا أعود إلى هذه الجلسات
ثانية.
وإلى لقاء في
الجزء الثاني من محاكمة طه حسين