حكايات الفيزياء.. منهج «خليل» يحول العلوم إلى دراما
كتب: محمد خاطر
لم يحتاج
«خليل» لأكثر من مجموعة بالونات وعدد من البيض المسلوق إضافة إلى مكونات أخرى
متواجدة بكل بيت مصري، حتى ينشأ منهج كامل لتبسيط العلوم بشكل عام والفيزياء
بالأخص تحت اسم «حكايات الفيزياء»، يقوم فيه بتحويل قوانين الفيزياء الصعبة إلى
حكايات مشوقة ذات طابع درامي، تجعل الأطفال ومختلف الأعمار قادرون على استيعاب تلك
القوانين، وليس هذا فقط بل والإبداع فيها.
محمد خليل،
مواليد 1972، حاصل على بكالوريس علوم إدارية، ويعمل منذ تخرجه بمجال الإلكترونيات،
حتى قرر التخلي عن تلك الرحلة العملية الطويلة التي تمتد لأكثر من 15 عام، ويحول
وجهته نحو العلوم، عشيقته الأولى منذ الطفولة، إذ كان يأمل أن يلتحق بكلية العلوم قسم
الفيزياء لكن هذا لم يحدث، ورغم ذلك لم يقف ذلك عائقًا أمام العودة للمجال الذي
وجد شغفه به: «بداية من 2014 غيرت الكارير بتاعي وبقيت مدرس علوم وبقيت بقدم
حكايات الفيزياء»، وهي عبارة عن ورشة تعليمية يقدمها منذ سنوات بأماكن مختلفة تهدف
إلى تبسيط العلوم على الأطفال وتربيهم على عدد كبير من القيم الجيدة والإيجابية،
وفق ما يرويه «خليل» في حديثه مع «الفيتشر».
اقرأ
أيضًا: أغنيات مترجمة إلى لغة الإشارة.. محتوى
«منة» لإسعاد الصم وضعاف السمع
تاريخ ميلاد
حكايات الفيزياء
حكايات
الفيزياء يعود تاريخ ميلادها إلى عام 1989، حين كان عائد «محمد» من مدرسته وكان
يحاول أن يحل بعض المسائل الفيزيائية في طريق عودته بالشارع: «وفجأة اتكعبلت ولقيت
بقول لأصحابي الموقف ده ينفع حدوتة على فكرة بتحكي عن شخص ماشي في الشارع بيقع في
حفرة وعايزين نعرف ارتفاع الحفرة من قوانين الحق»، وهذه كانت أول مرة يشرع فيها
خريج العلوم الإدراية لكتابة حكايات الفيزياء ولم يكن وقتها سوى طالب بالصف الأول
الثانوي، لكن الموضوع استهواه بشكل كبير وبدأ يكتب حكايات عن كل قوانين الفيزياء
التي يدرسها، وبالفعل دون وقتها حوالي 15 حكاية، لكن بمجرد انتهاء مرحلة الثانوية
العامة وعدم تحقيق حلمه في الالتحاق بكلية العلوم، أهمل حكاياته مع الفيزياء، لكنه
ظل مواصل متابعته وحرصه على الإطلاع وقراءة كتب الفيزياء وكذلك الاشتراك بأنشطة
نادي العلوم المختلفة.
نشاط تطوعي
بالمساجد
اعتاد «محمد»
منذ صغره على المشاركة في الأنشطة التطوعية التي تقام بالمساجد، وكان يحرص على مساعدة
الغير بكل ما يعلمه وفي إحدى هذه الأنشطة تفاجأ بأحد الأطفال يطلب منه أن يقوم لهم
بأحد التجارب العلمية البسيطة: «وفعلا عملت كدا لكن المفاجأة كانت في انبهار الناس
والأطفال بما أفعله وهذا ما جعلني اتجه نحو إقامة ورش للتجارب العلمية»، ومن هنا
كانت انطلاق عروض حكايات الفيزياء بشكل كبير لدرجة أنه استطاع تقديم تجاربه لأكثر
من 80 مكان بشكل مهني.
بتر بالقدم
اليمنى
وظل الأمر على
هذا المنوال حتى تعرض «محمد» لمشكلة صحية عام 2019: «تعرضت لبتر 6 صوابع وجزء من
القدم اليمنى بسبب مرض السكر»، وهو ما أجبره على تقليل عدد الورش مقارنة بما كان
يقدمه في الماضي، لكن ورغم ذلك مازال يواصل ورشه التي يحبها: «والحمد لله من فترة
قليلة عملت عرض كبير في بيت السناري قريب، وعندنا في شهر أكتوبر القادم أكثر من
عرض ضمن فعاليات نادي العلوم».
اقرأ
أيضًا: »كتاب أنتيكا».. محاسب يوفر الكتب القديمة لأهالي الصعيد
بأسعار زهيدة: «بشجع الناس على القراءة«
مبادئ وقيم حكايات
الفيزياء
حكايات
الفيزياء تقوم في الأساس على مبدأ أساسي يتمثل أنها تجارب سهلة وغير مكلفة ومن
الممكن للجميع أن يقوموا بها: «أنا بركز على التجارب اللي ممكن نعملها من مواد
موجودة في كل بيت تقريبًا»، ويعترف خريج العلوم الإدارية أنه كان يظن في البداية
أن بسبب هذا المبدأ لن يتخطى عدد تجاربه أكثر من 10 بالكثير، لكن كانت المفاجأة
أنه استطاع أن يقدم مئات التجارب لدرجة أن المنهج الذي ألفه لحكايات الفيزياء وصل
حتى الآن لأكثر من ألف صفحة.
ويقوم منهج
حكايات الفيزياء على عدة قيم أيضًا في مقدمتها حث الطفل على التفكر والتأمل في كل
ما هو حوله وأن يشجعه على السؤال بشكل دائم، إضافة إلى قيمة الإنتاجية التي يحاول
أن يزرعها في الطفل أيضًا ويجعله قادر على صناعة لعبته: «بقوله للطفل لا تطلب من
والدك لعبة، لا حاول تعملها بنفسك»، وكذلك على مستوى بعض الأكلات مثل الفشار
والزبادي وغيره، ندفعه نحو محاولة إعدادها حين يرغب في تناولها بدلًا من طلب
شرائها، وكل ذلك إلى جانب قيمة احترام الاختلاف التي يحرص منهج «محمد» على غرسها
في نفوس الأطفال كذلك: «بنعلم الأطفال أن مفيش حاجة اسمها أن أحسن منك ولا أنت
أحسن مني من خلال ورشة سلوكيات ضمن منهجنا».
ردود فعل
مشجعة
نظرات
الانبهار التي يراها «محمد» في عيون الأطفال الذين يشاهدون عروضه، تجبره على
الاستمرار ومواصلة سعيه بحكايات الفيزياء، ويتذكر هنا ما حدث في السابق مع طفلة
صغيرة تسمى «شهد» وبالتحديد عام 2014: «شهد دلوقتي ما شاء الله دخلت الجامعة،
ووقتها مكنتش بتكلم حد خالص، ولما شافت تجربة اتبسطت اوي وقعدت معايا تتكلم، وكانت
أول مرة تتكلم مع حد متعرفوش»، ولم يكن هذا الموقف فقط من أدهشه، بل قيام أحد
الأطفال الذين حضروا معه بعض الورش بتقديم عرض علوم لمدرسيه وهو طالب في الصف
الأول الابتدائي، وهو ما أثار انتباه المدرسين لدرجة جعلتهم يستدعون والده
ويسألونه كيف تعلم نجله كل ذلك في هذا السن الصغير، وكل هذا ما يجعله يواصل
الاستمرارية رغم ضعف العائد المادي الذي يتحصل عليه من خلال تلك العروض: «تقريبًا
لا يذكر وأحيانًا كتير بصرف على العروض بدون عائد، بس ردود أفعال الأطفال كافية
بالنسبة ليا عشان أكمل».
هدف أساسي
يأمل «محمد»
أن يحقق انتشار واسع لمنهج حكايات الفيزياء وأن تصل إلى جميع الأطفال ويصبح منهج
أساسي في تعليمهم لمواد العلوم المختلفة، كما يحلم بأن يدخل الدراما في طريقة
تعليم الفيزياء، وفي سبيل تحقيق ذلك قام بالفعل في تأليف أكثر من 35 مشهد درامي قائم
على الدراما العلمية التي تفتقدها الدراما المصرية في الوقت الحالي، كما أنه قام
بتأليف مسلسل درامي كبير يتمنى أن يخرج إلى النور ويجد منتج يتشجع لهذا العمل
الدرامي.
أحد تجارب «محمد خليل» ضمن منهج «حكايات الفيزياء»