رجل من الزمن الأصيل.. جميل راتب النجم والثوري والشرير
الموهبة
تصنع العديد من النجوم لا شك في ذلك، لكن حين يضاف إلى تلك الموهبة وتدعم بالدراسة
تخلق أسماًء لا تهدف إلى النجومية فقط بل تبحث عن الوصول إلى أبعد من ذلك بكثير
تهدف إلى صناعة التاريخ، ويأتي على رأس هؤلاء النجم القدير جميل راتب، الذي لم يكن
في يومٍ واحد من هؤلاء الفنانين الذين تغرق صورهم إعلانات الطرق وأغلفة المجلات،
لكنّه بالتأكيد واحد من الأسماء التي لا يمكن إغفالها إذا أردنا إعداد قائمة قصيرة
لأسماء صنعت مجد السينما المصرية، بعد أن قدم مسيرة فنية أكثر من رائعة استمرت
لعقود من الزمن قبل رحيله عام 2018، عن عمر ناهز الـ 92 عام، إذ ولد في الـ 18 من
أغسطس بعام 1926 م.
الفنان
المصري وُلد لأب مصري وأم مصرية من الصعيد وليست فرنسية كما يعتقد البعض، لكن ذلك
لم يمنعه من التعرض لثقافات عدد من الدول الأوربية وبالأخص فرنسا، فخرج بعقل منقسم
بين أصالة الشرق وتحرر الغرب، إذ ذهب في بداية حياته لدراسة الحقوق بإحدى المدارس
الفرنسية بالقاهرة، وبسبب تفوقه حصل على منحة لزيارة فرنسا وإكمال دارسة الحقوق
بها، ولكن بدلًا من الالتحاق بكلية الحقوق الفرنسية ذهب لدراسة التمثيل وفنون
المسرح بأحد معاهده في بلاد برج إيفل، وفور علم أسرته بذلك اعترضت بشكل كبيرة على
دراسته فأوقت المنحة، فلم يجد أمامه مفرًا من الاعتماد على نفسه لتوفير نفقاته،
فبدأ بالعمل كـ «شيال» بأسواق الخضروات والفاكهة وكذلك كومبارس ومساعد مخرج حتى يستطيع
إكمال دراسته، حتى حصل على عدة أدوار بعدد من المسرحيات التي قدمت على خشبة المسرح
الفرنسي، ثم عاد إلى مصر ليحصل على دوره الأول بالسينما المصرية من خلال فيلم «أنا
الشرق»، ومن بعده عاد إلى فرنسا مرة أخرى ليكمل مشواره الفني هناك.
عودة
إلى القاهرة
وبعد
ذلك عاد مجددًا الفنان المصري إلى القاهرة ليبدأ المشوار الفعلي في صناعته لتاريخ
السينما المصرية، حيث شارك من وقتها في بطولة العديد من الأعمال التي تعد من
كلاسيكيات الفن السابع المصري ومنها (حكاية وراء كل باب، ولا عزاء للسيدات، إنهم
يسرقون الأرانب، حب في الزنزانة، إنهم يقتلون الشرفاء، وداعًا بونابرت، البريء،
الكيف، البداية، طيور الظلام، جمال عبدالناصر، حفار البحر، الأولة في الغرام، جنينة
الأسماك، ليلة البيبي دول).
كما
قدم للدراما مسلسلات (أحلام الفتى الطائر، رحلة المليون، الراية البيضاء، ضمير أبله
حكمت، وجه القمر، الأصدقاء، فارس بلا جواد، حد السكين، مسألة مبدأ) إلا أن أبرز
أعماله الدرامية تعتبر سلسلة الأجزاء الشهيرة من «يوميات ونيس»، التي قدمها رفقة
النجم محمد صبحي وقدم خلالها شخصية والده.
أعمال
عالمية
الفنان
المصري كانت له أعمال عالمية أخرى بخلاف ما قدمه للفن المصري، فقد شارك بدور صغير
في فيلم «لورانس العرب»، رفقة صديقه النجم الراحل عمر الشريف، وكذلك قام بالأداء
الصوتي لشخصية الضابط الإيطالي تومالي في فيلم «عمر المختار»، في حين قدم للسينما
الفرنسية 7 أعمال، وكذلك هناك أعمال أخرى قدمها للسينما التونسية.
البهظ
بيه
شخصية
«البهظ بيه» تاجر الكيف التي قدمها الفنان المصري في فيلم «الكيف» رفقة النجمين
محمود عبدالعزيز ويحيى الفخراني، تعتبر شخصيته الأشهر بالأخص بعد انتشار مواقع
التواصل الاجتماعي بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، فحتى وقتنا هذا تستخدم كلماتها
وجملها الحوارية في الكوميكس الساخرة، كما أنه أبدع خلالها بتقديم دور الشرير،
الذي تميز في تقديمه على مستوى عدد كبيرة من أعماله الفنية طيلة مشواره.
تزوج
الفنان الراحل من ممثلة فرنسية اعتزلت التمثيل بعد زواجه واهتمت أكثر بالإنتاج
الفني، ولا يوجد أية معلومة موثقة حول تلك الفتاة الفرنسية، ولم يكن الفنان المصري
يُحبذ أن يتحدث عنها في لقاءاته الصحفية سواء بالإيجاب أو السلب، كما أنه لم ينجب
أي أطفال طيلة حياته.
إلا
أن أغلبية أحاديثه الإعلامية كانت دائمًا تتمحور حول مخالفته للاتجاه السائد في الأمور
السياسية المختلفة، ففي الوقت الذي كان يتغزل فيه كل الفنانين بالرئيس عبدالفتاح
السيسي، كان واحدًا من القلائل الذين أعلنوا عن رفضهم لما حدث في ميدان رابعة
العدوية أثناء فض اعتصامهم هناك، واصفًا ما حدث بـ «الشيء الفظيع» في مقابلة لها
قبل ذلك مع الإعلامي عمرو الليثي، كما أنه رفض قانون التظاهر، وأكد أن جميع
المواطنين من حقهم التظاهر أو الثورة على ما يرفضونه، طالما تظاهرهم ذلك سلمي ولن
تشوبه أية أعمال تخريب أو عنف.
