مشوار نجمة.. «شادية» لم تزرع الشوك فحصدت حب الجماهير
كتب: محمد خاطر
كثيرٌ هم من يأتون إلى هذه الدنيا الزائلة ويغادرونها
دون أن يدركوا المعنى والهدف الحقيقي من تواجدهم، أو حتى دون أن يتركوا أثرًا لهم
في نفوس من حولهم يجعلهم دائمًا يتذكرونهم مهما طالت سنوات الغياب، لكن حينما
تتحدث عن النجمة الإنسانة شادية وتنظر في مشوار حياتها ستجد نفسك أمام إنسانة قبل
النجمة، «بني آدمة» أدركت في الوقت المناسب السبب الحقيقي وراء خلقتها، فأوجد الله
في قلوب المصريين والعرب بيوتًا وقصورًا من الحب لها.
شادية، أو «فاطمة أحمد كمال» كما هو مذكور في بطاقتها
الشخصية الرسمية، انطلقت في مشوارها الفني منذ طفولتها، وفور إدراك من حولها لجمال
وإحساس صوتها، ولأن الموهبة دائمًا تقترن بالذكاء، تبين للطفلة ذات الـ13 عامًا في
ذلك التوقيت أن دخولها عالم الفن دون غضب والداها أمر شبه بالمستحيل، بعدما شاهدت
تجربة شقيقتها الفنانة عفاف شاكر بأعينها وكم الغضب والقطيعة التي نشبت بينها وبين
والدهم بعد اتجاهها لعالم الفن، فاختارت أن تسلك طريقها الفني ولكن بتشجيع ومباركة
والدها، حينما اتفقت مع جدتها أن تدعوها للغناء أثناء زيارة أحد الملحنين أصدقاء
والدها إلى بيتهم، ومن هنا استطاعت أن تقدم موهبتها أمام جميع من تواجدوا في
منزلهم في ذلك الوقت والذين أعجبوا كثيرًا بصوتها، فلم يجد والدها مفرًا من الاعتراف
بموهبتها الغنائية هو الآخر، بعدما طلب منه صديقه الملحن أن يتبنى موهبتها ويبدأ
في طريق تعليمها أصول الغناء.
بعد ذلك، لم يختلف مشوار شادية الممثلة كثيرًا عن مشوار
أي نجمة أخرى من نجمات جيلها، بدأت بأدوار صغيرة ثم انطلقت كالسهم في عالم
البطولات المطلقة، لتقدم مسيرة طويلة من الأعمال السينمائية والمسلسلات الإذاعية
والأعمال المسرحية، مقدمة أكثر من 120 عملًا فنيًا كان أبرزهم أفلام: «نحن لا نزرع
الشك، مراتي مدير عام، الزوجة رقم 13، ولا تسألني من أنا» وغيرها من كلاسيكيات
السينما المصرية، إلى جانب أحد أشهر الأعمال المسرحية التي قدمت على خشبة المسرح
المصري، مسرحية «ريا وسكينة»، وجميع أعمال فنية خالدة حتى الآن.
حب وزواج
سيدة جميلة لو وُجدت في وقتها مسابقة ملكات الجمال لاختيرت
على أنها واحدة من بين أفضلهن على مستوى العالم، فهي صاحبة الوجه البريء الذي لا
تغيب عنه ابتسامة في أشد أوقات الحزن والألم قبل الفرح، مغلفة بخفة دم غير طبيعية
جعلتها واحدة من القلائل بين نجمات جيلها تلائم كل الأدوار الكوميدية والتراجيدية
على حد سواء، فبالتأكيد الحديث عن سيدة بهذه الصفات لا بد أن تكون لها قصص طويلة
مع الحب والزواج، والتي بدأت مع ابن جيرانها الضابط الوسيم، وفق ما صرحت به في أحد
لقاءاتها الصحفية، ولكنها سرعان ما انتهت تلك العلاقة بعد استشهاده في حرب فلسطين
عام 1948.
ثم جاء زواجها الأول من الفنان الكبير الراحل عماد حمدي
رغم اعتراض عائلتها في ذلك الوقت لفارق السن بينهما، واستمرت تلك الزيجة 3 سنوات
فقط، وانفصلا بعد ذلك نتيجة العديد من المشاكل، التي نشبت بينهما بسبب غيرة الزوج
المتكررة وإحساس شادية بأنها خطفت الفنان الراحل من زوجته الأولى، لدرجة أنه بعد
مرور سنوات على انفصالهما وأثناء اجتماعهما سويًا في فريق عمل أحد أفلام المخرج
يوسف شاهين ذهب «عماد» رفقة ابنه من زوجته الأولى لإلقاء التحية عليها، فأصرت
وقتها أن تأخذ رقم تليفون زوجته الأولى من ابنها وهاتفتها واعتذرت لها بشكل كبير
عن الضرر الذي تسببت فيه لأسرتها.
إقرأ أيضًا: في عيد ميلادها الـ 80.. ليلى طاهر أخر الجميلات والشاهدة على الزمن الأصيل
الزيجة الثانية للفنانة الراحلة كانت من المهندس عزيز
فتحي، الذي تعرفت عليه خلال إحدى السهرات الغنائية، التي كانت تحضرها رفقة المطرب
الراحل فريد الأطرش، والذي أثير حوله هو الآخر الكثير من الشائعات بوجود علاقة
عاطفية تجمعه بشادية، لكن بزواجها من المهندس المصري اندثرت هذه الشائعات، ولكن
بعد فترة نشبت بينهما العديد من المشاكل بعدما لم يستطع المهندس المصري التكيف مع
شهرة ونجومية زوجته، في تجسيد واضح لفيلم «مراتي مدير عام»، الذي قامت ببطولته شادية
مع النجم الراحل صلاح ذو الفقار والذي كان الزوج الثالث لشادية بعد قصة حب طويلة
ترعرعت في كل فيلم قام ببطولته الاثنان سويًا، حتى انفصلا، ثم عاد بعد ذلك وطُلِّقت
مرة أخرى ونهائية، ولم يُكْتب للفنانة الراحلة الإنجاب بعد زيجاتها الثلاث بسبب
ظروفها الصحية التي كانت لا تتحمل آلام الحمل والإنجاب.
«منذ فترة، قدمت أغنية خد بإيدي، ومن وقتها قررت ألا أغني
سوى أغاني دينية، لكني لا أستطيع أن أحفظ الكلمات أو الألحان مهما استمعت إليها»،
هذا ما قالته الفنانة الراحلة على لسانها في مقابلة إعلامية مع المذيعة هالة سرحان
للشيخ الجليل محمد متولي الشعراوي، ليجيبها وقتها: «انسي أنك شادية المغنية الآن،
فقد أصبحتِ سيدة فاضلة عرفت طريق الله تبارك وتعالى»، وبعد هذه الكلمات اعتزلت
الفنانة المصرية الغناء والتمثيل وحياة الفن والمشاهير وانزوت عن جميع العدسات ورفضت
إجراء أية حوارات صحفية، حتى حينما دُعيت إلى مهرجان القاهرة السينمائي لتكريمها
في إحدى دوراته رفضت الذهاب بعدما استشارت آنذاك الشيخ الجليل.
كما أن أكاديمية الفنون المصرية قد منحتها شهادة الدكتوراه
الفخرية مؤخرًا، ورفضت كذلك الحضور لاستلام شهادتها واكتفت بتوكيل من ينوب عنها في
استلام شهادتها مصاحبًا لمقطع صوتي بصوتها تشكر فيه الأكاديمية وتدعو لمصر بالخير
والرخاء.
المشهد الأخير
الثلاثاء 28 نوفمبر من عام 2017، كان موعد الرحيل بعد
مسيرة طويلة من الأعمال الفنية، وبعد أن قضت أيامها الأخيرة بمستشفى الجلاء
العسكري تصارع المرض الذي سيطر على المشهد الأخير في حياتها.
وخرجت جنازة الفنانة الراحلة من مسجد السيدة نفيسة
بالقاهرة، وسط تواجد كبير من كل نجوم الفن في مصر والعالم العربي، إضافة إلى
الآلاف من جمهورها العاشق والمحب.