جاري تحميل ... الفيتشر

مدونة المعافرين في الأرض

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

حكاية

المبرز.. قصة قصيرة من تأليف عبد الله عبد الفتاح


في القرن السابع عشر في واحة الخارجة ومع طلوع الصباح علي إحدى بيوت الواحة ، علا صوت النسوة في البيت وهم يتغنون في فرح وسرور (يا قصر ياللي شبابيكك على العالي، فيك الحليوه وفيك اللي شغل بالي، يا قصر ياللي شبابيكك على البحري، فيك الحليوه وفيك اللي سلب عقلي)

حتى نهض الشاب من نومه بداخل إحدى غرف البيت  فهذا يوم عرسه. وبعد لحظات دخلت عليه والدته لتوقظه من نومه فوجدته مستيقظا فحيته قائلة: (صباح الخير، أخبارك يا عريس)

فتهللت أساريره من الفرح و قال باسما: (بخير يا أمي)، وقطع حديثه فتح الباب مرة أخري مواربا، ثم أدخل صديق الشاب رأسه من الباب باسما بداخل الغرفة ثم قال ممازحا: (ما أخبار العريس)

- تعال يا صديقي، أتيت باكرا هذا اليوم

ثم دخل عليه صديقه فرحا مهللا و قال :(طبعا لابد أن أكون أول من يستيقظ في البلدة فأنا

المبرز)

- طبعا، فليس لي أخ أكبر ولا أب ليقف بجانبي

فتبسم صديقه ضاحكا و قال له: (لا تقلق سأعلمك بكل شيء و أكون معك حتى أوصلك

للعروس)

وابتسمت الأم لرؤيتهما معا ثم استأذنت في الخروج وهي تقول : (سأترككم سويا)، وغادرت الغرفة بينما ظل صديقه يراقبها حتى ما أغلق الباب، فأقترب من العريس و قال له همسا: (أريد أن أخبرك بشيء، أم لا إنه ليس يومه)

- هل الأمر بخصوص العروس

فأومأ صديقه رأسه بالإيجاب و قال له: (نعم)

- ما الأمر

- لقد رأيتها و هي ذاهبة إلى عين الدار، وتعجبت، ثم تسللت خلفها خفية، فوجدتها

تدخل بيت مجاور للعروس و طبعا لا يمكن للعروس أن تذهب للعين يوم عرسها.

ثم نظر العريس إليه و قد تغير وجهه كمن خاب أمله في شيء كبير و قال بصوت مبحوح: (ماذا هل أخطأنا في أول الأمر ولم تكن نفس الفتاه التي شاهدناها)، ثم صمت العريس قليلا و قال بغضب: (تبا للعادات المحافظة في الواحة التي تحرم علينا النظر للفتيات أو السير خلفهن حتى ولو كان الغرض شريفا، والذي يجعل كل شخص يعتمد علي ذوق أمه).

ثم طفق العريس يفرك جبينه بيديه، وبدا عليه التفكير العميق وقد ساد صمت للحظات ثم قال: (و ما العمل؟)

- فات الأوان يا صديقي فاليوم يوم عرسك، فهنيئا لك، ولربما تجد العزاء في تلك الفتاة، فلنقضي اليوم و كأن شيء لم يحدث

ومن لحظتها وأغتم العريس وخرج من غرفته ومن خلفه صديقه وهو مبطئ الخطي، والكل ينظر له بسعادة ، أما هو فقد أبتسم ابتسامة زائفة تنم عن غم كبير بداخله، ومرت الساعات تباعا في أداء الطقوس البدوية والمراسم الخاصة بالفرح، يلازمه صديقه في تحركاته المختلفة فكان بجواره عند قدوم الحلاق للعريس، وعندما أرسل أهل العروس -قصعة العصرية- ذلك القدح من الخشب والذي كان بداخله الفتة والأرز وتم تغطيته بقطع من اللحم وأخذ يأكل من هذه القصعة العريس و صديقه المبرز والحلاق، وفي أثناء الحلاقة أتي أصدقاء العريس و قاموا بدفع (النقوط) إلى الحلاق، ومضي الجميع يتفكه بالنكات وبالأحاديث حول أفضال الزواج، ثم أصطحب المبرز صديقه العريس إلي عين الماء في البلدة ليستحم ثم تولي هو تطيبه بالعطر وإظهاره في أفضل صورة و مضي الوقت لذيذا وممتعا إلا علي العريس.

ومع اقتراب غروب الشمس، دخلت الأم علي ولدها في غرفته و قد تبدلت معالم وجهه بعد الحلاقة و ظهر عليه أثر الاغتسال والطيب ينفح من رأسه و ثيابه، فقابلته متهللة و قالت لهم مازحة: (قمر، لا يضاهيه شاب في البلد)

بينما هو بقي شارد الذهن فلاحظت أمه تعكر مزاجه فاستأذنت صديقه بالخروج من غرفته،، فنهض المبرز وغادر الغرفة للخارج ليلقي جموع المهنأين بالعرس السعيد، بينما الأم وقفت أمام ولدها تحدثه

- ماذا بك لونك مخطوف و شاحب، أنت عريس اليوم

- لا أريد أتمام الزواج يا أمي

- ماذا تقول، أتيت الآن لتقول هذا بعد كل ما حدث، ألم تختار أنت عروستك

فصمت العريس و أشاح بنظره عنها فأمسكت الأم بكتفه وأجلسته معها علي حافة السرير وقالت له: (تعال هنا وأفهمني ماذا بك؟)

ثم نظرت صوب طاولة بجوار السرير وأمسكت بقلة المياه لتشرب منها ولكنها سريعا ما أنزلتها و صاحت: (طعم هذه المياه غريب)، ونهضت من مكانها و وجهت صوب شباك الغرفة لتفرغ الماء من القلة ففوجئت بطلاسم علي أسفلها مرسومه، فتغيرت معالم وجهها وبدت عليها الصدمة،  وساورها القلق علي ولدها..

فنظرت له نظرة استفهام كأنها لا تصدق ما تراه ودب القلق بين مفاصلها وقد طغي البكاء عليها وعاقها علي الاستمرار في الكلام ثم أشارت لولدها لينهض مفزوعا من حالته، ثم تركت القلة من يدها لتقع أرضا لتحطمها لنصفين، ثم ارتمت بين أحضان ولدها وأخذت تتفحص جسده كأنها تتأكد من سلامته و قالت: (هذا العمل من صنع صديقك، وهو من لعب بدماغك ليشغلك ويضع لك العمل، فلم يدخل غرفتك سواه اليوم) .

وبسرعة تركته وخرجت من غرفته لتنادي علي بعض رجال العائلة ودخلوا ومعهم صديقه المبرز و قد طلبت منهم إغلاق الباب، وبدا عليهم الاهتمام جميعا، وتوقعوا سماع تبريكات منها  لكنها فاجأت الجميع باقترابها من صديقه ثم لطمها إياه علي خده وصاحت بالجمع: (يا رجال، هذا الكلب كان يريد أن يفسد علي أبني حياته)

فألتفت جميع الرجال له بينما هو وقف مصدوما مذهولا مما كشفته الأم، والتي أخذت تروي لهم ما وجدته، بينما الشاب بقي واجما بدون حراك و بدا مصدوما، و رفع أحد الرجال عصا كانت بيده و ضرب المبرز علي رأسه بشدة أفقدته الوعي و قال لبقية الرجال: (ماذا نفعل به؟)

- فلنذهب به لعمدة البلد ونخبره بفعلته

وبالفعل سار به رجال العائلة وقد قيدوه بالحبال حتى وصلوا أمام منزل عمدة بلدهم والذي أستمع لشكواهم وأمر العبيد الخاصين به بتعليقه و ضربه بالفلقة.

بينما عاد رجال العائلة واستأنفوا الفرح بكل سعادة حتى ما أنتصف الليل وأنقضي الفرح بعدما أنفضت جموع المدعوين في سعادة كبيرة بعدما أوصلوا العريس لعروسته الجميلة في بيتهما وخيم السكون بعدها في طرقات البلدة. وعندما خلا العروسان ببعضهما وساد الصفا بينهما سالت دموع الفرح في عيني العريس بعدما وجدها شابة حسناء يعزي وجهها الحسن عن أحزان الدنيا التي لاقاها جميعا، ورزق منها فيما بعد بأربعة أولاد كالورد صحة و جمالا حملوا عنه متاعب الحياة.

عن الكاتب



عبد الله عبد الفتاح.. كاتب من مواليد مدينة الخارجة التابعة لمحافظة الوادي الجديد، جمهورية مصر العربية، ولد في السادس عشر من مايو لعام ١٩٩١م، وتخرج في كلية الهندسة جامعة المنصورة عام ٢٠١٣ م، و له من الأعمال الأدبية المنشورة كتاب «الواحة المفقودة» والذي صدر عام ٢٠١٩م.

الوسوم:

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *