المقالات الإيرانية.. درس في التفكير
كتب: إسلام كمال
إدوارد سعيد في
كتابه الأهم «الاستشراق» كان حريصا علي معرفة كيف يرانا الغرب، لا للمعرفة وفقط ولكن
لأنه كان يرى أن لو استطعت ترد.. رد ولكن بعقلانية لا سطحية وشعارات زائفة...
وهذا الذي فعله في كتاب الاستشراق وهجومه أو رده
على ماركس وفكرة أن أهل الشرق لا يعرفون أن يعبروا أو يحكموا أنفسهم وهي الأفكار والخيالات
نفسها التي استخدمتها الامبريالية، عندما جاء الاحتلال الفرنسي إلى مصر بقيادة نابليون
اصطحبوا مجموعة من العلماء والكتّاب الفرنسيين وكانت النتيجة كتاب "وصف
مصر" والذي يراه سعيد مشروع كتالوج ومرجع للفرنسيين للتعامل وترويض المصريين،
ولا داعي للمبالغة أو الانسحاق أمامه، وإن حوار أنهم جاءوا بالمطبعة والنهضة وما إلى
ذلك هراء، لأن كيف تحمل في يد مطبعة شعار تنوير وفي اليد الأخرى مدفع شعار إبادة وظلام؟
كتاب سعيد عمل
ضجة كبيرة من وقت صدوره وحتى الآن، عمل هزة للغرب، لأنه فقط حدثهم بالعقل والنقد الموضوعي
الذي لا يخلو من أدوات البحث والمنهج العلمي، ونشطت الأقلام في الكتابة والرد عليه،
كتاب واحد عمل تصدع عندهم إلى الآن، ولكن مش بالضرورة أن كل استشراق زائف أو مدلس أو
حتى ضد الدين والقيمة الملاذ، الفكرة المفصل هي قراءة الغرب لنا والرد عليه إذا لزم
الأمر، قراءة نقدية غير متربصة فارغة، لأن بداية النقد الإصغاء والانتباه لا التشويش
والتسخيف.
كتاب «المقالات
الإيرانية» لميشيل فوكو من الكتب النحيلة ولكنها عظيمة الأثر، والتي ترسم وتبرز صورة
الذي حدث في إيران وقصة الخميني، الكتاب لغته انسيابية توصيلية غير أكاديمية مقعرة
- ودي حاجة كنت بتكلم فيها مع صديق الفكرة ولا اللغة؟ رأيي كان الفكرة، اللغة مجرد
قالب وأداة تواصل، اديني فكرة حلوة بدل ما تديني لغة قوية كلها سجع وجناس ولكنها خاوية
من أي فكرة وجيهه- فوكو كتابه جد مهم ومتجاوز للحدود الجغرافية لأن ببساطة ممكن تحذف
كلمة إيران وتضع مكانها اسم أي دولة عربية أخرى في مواضع كثيرة في الكتاب، لأنه بيحطنا
في المواجهة أمام مأساتنا الأبدية بكل موضوعية، وناقد وعارض للغرب قبل الشرق.. لأن
منهجه حداثي تقدمي والجماعة دول دماغهم طاقّة ولا بيهمهم أحد.
وبمناسبة الأفكار
الجديدة والحلوة، كنت بتكلم مع الصديق نفسه وبضحك لما بيقولي أنا ببحث عن الأفكار الجديدة،
فرديت عليه ساخرا : «ياعم إحنا عارفين نعيش بالكام فكرة اللي عندنا في المجتمع ده وأنت
جاي تقول لي أفكار جديدة؟» ولكن في الحقيقة أنا برجع واضعف أمام الفكرة أو الكتاب الحلو
الذي من نوعية هذا الكتاب، وقبل أن نفترق قال لي الصديق: «اوعى تتنازل أو تساير حد
بعكس اللي مقتنع بيه صدقني هتتشرخ من جواك» .. وأنا صدقته.