السقا.. مهنة اندثرت بحكم السنين
كتب: إسلام كمال
في الماضي كان هناك مهنة اسمها «السقا» ودور من يعمل
بها رفع الماء من بئر أو بحر أو حنفية عامة أو حتى طلمبة وحملها وتوزيعها علي المنازل،
وكان الدفع فوري أو شهري مثل الماء والكهرباء هذه الأيام، ويرسم «السقا» خط بالطباشير
علي كل منزل حتى لا ينسي ويجمع عدد الخطوط أخر الشهر ويحدد المبلغ المطلوب.
ولكن كان بعض الناس
الذين لا ضمير لهم يقوموا بمسح الخطوط أو بعضها في محالة لعدم الدفع أو تخفيف المبلغ
المطلوب آخر الشهر، فلجأ «السقا» إلى حيلة أخرى وهي أن يعطي كل صاحب منزل مجموعة من
الخرز ويحصل علي مبلغ ما بحيث كلما مر «السقا»
بالمنازل يقدم له صاحبه خرزة فيسكب له الماء، ولم تأت نفعا هذه الحيلة أيضا لأن أصحاب
المنازل بدأوا في شراء خرز والتحايل علي الأمر.
وكان «السقا» ينقل
الماء عبر جرة يحملها علي كتفه أو صفائح أو علي عربة يجرها حمار، وهذه الظاهرة حاضرة
إلى الآن في بعض المناطق كالمقابر والقرى النائية التي لم تصلها الماء حتى الآن، وكنت
استغرب من النساء التي تترك ماء المنزل وتقوم بغسل الأواني على شواطئ الترع، ولما سألت
رجلا عجوز عن الظاهرة الغربية هذه نقل لي أن الأمر مغاير لتفكيري وأن في الأغلب الأعم
أن من يقوم بهذا فتيات لم يتزوجن بعد، ولما نظرت له في بلاهة وعدم فهم، واصل كلامه
بأن هؤلاء الفتيات تذهب إلى «الترعة» تغسل المواعين وتجعلها مرايا وتحملها وتسير بغنج
في طريقها للعودة إلى منزلها ربما تراها امرأة تطل من شباك أو شرفة، فتقع عينها علي
المواعين فتراها تلمع فتأخذها زوجة لأبنها لأنها شاطرة.
لم أصدقه ولكن
كلامه يدعو للتأمل ومصمصة الشفايف، والظاهرة باقية في المقابر عندما نذهب إلى المقابر
نطلب من «السقا» عدة صفائح من المياه لترطيب التربة أو سقي نبات الصبار الذي لم أجد
داع لوجوده أساسا، وهناك حكاية لا يمل من سردها الشيوخ علي المنابر، مفادها أن رجل
يعمل بائع في السوق وفي يوم أطبق علي يد زبونه وقبلها، وبالتزامن مع هذه الواقعة ذهب
«السقا» إلى بيت البائع أفرغ الماء في الزير وقبل أن يرحل لثم شفاه زوجة البائع، ولما
عاد البائع نقلت له زوجته ما حدث مستغربه لأن هذا السقا يأتي بالماء منذ 20 عاما ولم
يسبق له أن نظر لها حتي، فحدث البائع نفسه بأن كما تدين تدان.
المشكلة أن الشيوخ
دائمي الاستشهاد بحكايات فلماذا بعضهم يلعن كتّاب الروايات، وخاصة أن ثلثي القرآن أخذ
الشكل السردي، وبمناسبة الروايات كان تناول مهنة «السقا» الكاتب يوسف السباعي في رواية
«السقا مات» وتحولت إلى فيلم شهير بطولة عزت العلايلي وفريد شوقي، كما اختصها الكاتب
الكبير أحمد أمين بفصل في سيرته الذاتية التي كتبها تحت عنوان «حياتي» وأحمد أمين هو
والد الكاتب والاقتصادي جلال أمين، اندثرت مهنة «السقا» مع دخول الحنفية المنازل، ووقتها
قامت الدنيا ولم تقعد لأن الشيوخ وبعض الرجعيين اعترضوا علي دخولها المنازل واصفين
أيها بالبدعة وأن كل بدعة هي من الشيطان، وهناك جملة كانت تتردد ومستمرة إلى الآن وهي
: «من تمنطق تزندق» يعني كلما شغلت عقلك فأنت زنديق أو هرطيق، واستمر الشد والجذب إلى
أن أجازها أصحاب المذهب الحنفي ومن هنا كان اسمها حنفية إشارة إلى المذهب الحنفي.