جاري تحميل ... الفيتشر

مدونة المعافرين في الأرض

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

حكاية

«نعكشة في التاريخ».. المشهد الأخير في «محاكمة طه حسين»

طه حسين

طه حسين 

إعداد: إسلام كمال

 

في حلقة اليوم من سلسلة «نعكشة في التاريخ» يكشف الكاتب الصحفي إسلام كمال، عن الجزء الثاني والأخير من قصته القصيرة «محاكمة طه حسين»، والتي يتناول فيها فصولًا وكواليس مختلفة من رحلة الأديب المصري الراحل.

 

بعد حصول طه حسين على الدكتوراه من الجامعة الأهليّة، وهي أول دكتوراه تمنحها الجامعة، فقد كان العميد من الطلاب المؤسسين للجامعة، وتولّي أحمد لطفي السيد جمْع التبرعات لإنشائها، كانت جامعة مدنية قبل تحولها إلى حكومية حملت اسم «فؤاد الأول».

 

اصطحب لطفي السيد العميد إلى صالون مي زيادة،  صالون الثلاثاء الذي يقصده عمالقة الأدب في القرن العشرين: العقاد والرافعي والمازني وطه حسين وآخرين.. كلهم أحبوها.

 

في أول زيارة للعميد برفقة لطفي السيد، سأله الأول عن مي زيادة؛ استنكر لطفي السؤال، وقال: كيف لا تعرفها؟ فأجاب طه بأنه سمع عنها من قبل لكنها المرة الأولى التي يأتي فيها إلى صالونها، وطلب منه أن يصفها له، فأسهب لطفي في وصفها، فقال له طه يبدو أنك معجب بها يا لطفي، فرد لطفي بـ «كلنا هذا الرجل». 

 

عندما رأت مي زيادة طه تقدمت منه، وقدمت نفسها له، وأعلنت أن صالونها نوّر بحضوره، وأنها كانت من الحاضرين عند مناقشة رسالة الدكتوراه التي حصل عليها، سرّ طه لذلك، ونفذ صوتها الموسيقي إلى قلبه، تحدثا كثيرًا، كان يستمع إليها ولا ينطق، وغادر صالونها خفيفًا كطائر، وعندما ماتت صرح طه حسين أنها لم تقدم شيء للأدب سوى صالونها، هل كان غاضبًا لأنها أحبت العقاد؟ ربما، هب لأن الكتابات النسوية كانت رديئة؟ ربما أيضا.

 

اقرأ أيضًا: بالحلقة الثانية من «نعكشة في التاريخ».. إسلام كمال يكشف دور الحاجة «فضة» بحياة «الخط»

 

رحلة إلى فرنسا

 

سافر طه حسين إلى فرنسا، وحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون، والتقى هناك بسوزان، أحبها وعرض عليها الزواج، قالت له في البداية أنها تعدّه صديقًا وفقط، ثم عادت تطلب فرصة للتفكير.

 

هو كفيف وعربي ومسلم وصعيدي بينما هي مبصرة وفرنسيه ومسيحية،  بمعايير مجتمعنا، طه يرتكب خطأ بل خطيئة، ولكن سوزان وافقت، وتركت أهلها لتذهب معه، استمرت الزيجة 50 سنة إلى يوم وفاته 28 أكتوبر 1973، وأثمرت ابنًا وبنتًا (مؤنس وأمينة)، وكتبت عنه الباريسية كتابًا بديعًا تحت عنوان «معك».


إحالة إلى النيابة

 

وفي 1926 كتب العميد «في الشعر الجاهلي» فقامت الدنيا ولم تقعد، بدأت حملة الهجوم من الأزهر، كان شيوخه متأهبين ومتربصين به بعدما ترك الأزهر، وكان دائم الانتقاد لهم في الصحف، كان ينشر في جريدة «الدستوريين الأحرار» التي كان يرأسها حينها الكاتب الصحفي الراحل محمد حسين هيكل، وهي صحيفة ليبرالية لا يتسع المقام للحديث عنها، وصل الهجوم إلى تكّفير طه حسين، وارتفعت الأصوات بمحاكمته، وعُرض الأمر على البرلمان، وكان العقاد عضوًا فيه، ورغم أنه كان على خلاف مع العميد لكنه وقف ودافع عنه، ورفض محاكمة طه حسين، وقال إن الرد على الفكر يكون بالفكر لا الزّج في السجون، ويمكنهم أن يؤلفوا مئات الكتب يردوا فيها على ما جاء في كتاب الشعر الجاهلي، لكن كان وحده ضد أعضاء البرلمان؛ وانتهى الموضوع بإحالة طه حسين للنيابة.

 

مُثّل العميد أمام وكيل نيابة يُدعى محمد نور، برّأ طه حسين وأفرج عنه بلا ضمانات، وكانت حيثيات البراءة أن كتاب الشعر الجاهلي مجرد اجتهاد علمي غير خاضع لحكم القانون، ونشر محمد نور نص البراءة في كتيب صغير فيما بعد، تعثر في الكتاب الكاتب والروائي خيري شلبي بينما يقلّب في الكتب في سور الأزبكية، دسّه داخل ملابسه لأنه كان لا يملك ثمنه، كتب له مقدمة وأعاد نشره تحت عنوان «محاكمة طه حسين».

 

اقرأ أيضًا: خط الصعيد بين الحقيقة والخرافات.. هذا ما نعرفه في الحلقة الأولى من «نعكشة في التاريخ»

 

العميد

 

تدرج طه حسين في السلم الجامعي حتى وصل إلى منصب عميد، وكان يجري مقابلات بنفسه مع الطلاب المرشحين للالتحاق بكلية الآداب وكان منهم نجيب محفوظ، وعندما أراد إسماعيل صدقي أن يحصل على دكتوراه فخرية من جامعة القاهرة رفض طه حسين ذلك لأنه كان يرى أن صدقي دكتاتور، فكان قرار عزل طه حسين من منصبه، ولكنه صار عميد الأدب العربي لا عميد كلية الآداب وحسب، وساهم طه حسين في جعل جميع مراحل التعليم مجانية وقال جملته الشهيرة «التعليم كالماء والهواء» وكتب عشرات المؤلفات بين القصة والرواية والمقال والكتب الفكرية التي مازالت أفكارها حيّة وعابرة للأزمنة وقابلة للتنفيذ مثل ما جاء في كتابه المهم «مستقبل الثقافة في مصر».

 

كان طه حسين وعباس العقاد وأحمد أمين  في الأصل يكتبوا في الأدب والصحافة ولكنهم تحولوا إلى الكتابات الإسلامية لأنهم رأوا أن ما يقوموا به بكتابتهم للأدب بيهدمه الفكر المتطرف والخاطئ للدين، لذلك حاولوا أن يعقلنوا الدين أو بالأحرى الكتابات الدينية، فنجد طه حسين كتب: (الفتنة الكبرى وعلى هامش السيرة والوعد الحق ومرآة الإسلام)، والعقاد كتب: (سلسلته الشهيرة العبقريات والتفكير فريضة إسلامية، وأحمد أمين: (كتب سلسلته الرائعة فجر وضحى وظهر ويوم الإسلام اللي عكف على كتابتها 30سنة).

 

رحيل

 

مرّ على رحيل طه حسين ما يزيد عن 50 عاما، ولكنه حاضر بيننا بمؤلفات المتعددة والمتنوعة، ومازالت الاتهامات التي توجه له مستمرة أيضا، وفي الغالب الأعم تكون عن جهل بشخصية الرجل، ولكن لا يجب أن نكون ببغاوات نردد كلام وفقط، فكتب الرجل متاحة يمكننا قراءاتها والخروج برأينا الخاص، حتى لا نراه بعيون وأهواء وإيديولوجيات الآخرون، الذين ليس بالضرورة أن يتفقوا معنا، وكما قال أفلاطون قبل سنوات طويلة أن جميعنا يمكننا رؤية الشيء نفسه ولكن تأويلنا له يكون مختلفا، لأن ذلك يعود إلى مخزونا الثقافي والمعرفي والاجتماعي.

 

وقبل أن أنهي حكاية اليوم، كان يجب أن أذكركم ببعض ما قيل في حق عميد الأدب العربي، إذ قال نزار قباني عن العميد: «ارم نظارتيك ما أنت أعمى .. إنما نحن جوقة العميان»، أما عبد الفتاح كيليطو فقال عنه: لم يبق ثمة بعد طه حسين أي شيء قابل للإعجاب ولَم يعد ثمة وجود لأبطال».

 

لقراءة الجزء الأول من «محاكمة طه حسين» اضغط هنا

الوسوم:

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *