جاري تحميل ... الفيتشر

مدونة المعافرين في الأرض

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

مقال

وهم الوظيفة الميري.. تحليل كتاب «الأب الغني والأب الفقير»


كتب: إسلام كمال 

تتغير رؤيتنا للأشياء من زمن لآخر، في الماضي كانت للوظيفة الحكومية مكانة خاصة عند فئات كثيرة في المجتمع المصري، وكانوا يطلقون على الموظف كلمة "أفندي" وكان هناك مثل شعبي يتداوله المصريين ونصه "إن فاتك الميري تمرمغ في ترابه" الأمثال الشعبية هي شهادة حيّة وعابرة للأزمنة، تعكس وتشهد على نظرة وثقافة وتصور الشعوب على مر العصور، وجرت العادة أن الوالدين والمحيطين بالطالب في مراحل التعليم المختلفة يلقنونه جملة مفادها "ذاكر عشان تدخل الكلية وتتخرج وبعدين تلاقي وظيفة ميري" لذلك ولذلك كله أصبح أغلبنا يرى في الوظيفة الحكومية نوعا من القدسية، فهي مأمن له من تقلب الأيام وتغير الأحوال.

ولكن بالنظر إلى حال الموظف هذه الأيام فهو حال يرثى له، لأن الراتب الذي يحصل عليه الموظف أول كل شهر لا يغطي مصاريف أسرته الصغيرة، ولا يتجاوز مدة الـ 15 يوم على أقصى تقدير، فيكون على الموظف أن يبحث عن وظيفة أخرى بعد الظهر حتى يستطيع أن يعيش حياة كريمة ويصرف على تعليم وتجهيز أبناءه إذا كانوا في سن الزواج، فمن الطبيعي الآن أن تجد شخصيا يعمل موظف في الصباح وبعد الظهر يكون عامل يحمل الأسمنت على كتفه حتى يوفر مبلغا يساعده على الحياة بجانب الراتب، ورغم ذلك تجد هذا الرجل ينصح أبناءه أيضا نفس النصيحة التي سمعها من والديه في السابق والتي أصبحت محض هراء بحكم التجربة وهي ذاكر حتى تلتحق بالكلية ومن ثم تحصل على وظيفة حكومية!

ينظر الناس في الغالب الأعم إلى كتب تطوير الذات نظرة دونية، متخيلين أنها مكسنات لا تمت للحقيقة أو الواقع بصلة، ولكن ليست كل كتب الذات هي كتب سطحية ولا تصنع ثقافة حقيقية متصلة بواقع الحياة، ومثلها مثل الروايات وكتب التاريخ والفلسفة وما إلى ذلك من تنوع في المجالات، الجودة والتميز لا يقتصروا على مجال معين دون غيره، والسوء أيضا، فالتشدق بأن كتب التنمية أو تطوير الذات بأنها كتب ضعيفة وخيالية هي أمور تستحق للدقيق والتصويب إذا لزم الأمر.

تخرجت من كلية التجارة بعد دراسة ثماني أنواع من المحاسبة، وغيرها من مواد التسويق والإدارة والرياضة، وبعد التخرج علمت أن ما درسته لا علاقة له بالواقع بحكم التجربة، فمحاسبات الكلية عفى عليها الزمن وتجاوزها قبل أمدا بعيدا والقائمين على التعليم مازالوا في سباتهم، فكان على أن أعيد تأهيل نفسي مرة أخرى بعيدا عن أسوار الكلية والدراسة الرسمية، وأن كانت الشهادة الرسمية لا بأس بها لأنها جواز للمرور سواء في الالتحاق بالخدمة العسكرية أو البحث عن وظيفة أو حتى طلب التقدم إلى فتاة تشاركني المدرج أقصد حياتي، فأصبح التثقيف الذاتي أمر ضروري، وبالتحديد التثقيف المالي، ورغم أن لي باعا طويلا في القراءة والكتب، إلا أنني لم اقرأ كثيرا في هذا الجانب وتخيلت إنني لست في حاجة إلى ذلك، لأنه موضوع دراستي، كانت البداية لا تخلو من تخبط، قرأت عشرات من الكتب حتى عثرت على كتاب اعتبره من الكتب المؤسسة والمؤثرة في حياتي، كان الكتاب هو "الأب الغني والأب الفقير" لمؤلفه روبرت كيوساكي، فكرة الكتاب ببساطة أن روبرت كان له أب فعلي، كان يعمل في وظيفة حكومية بعد أن درس في الكلية ويحصل على راتب لا يغطي تكاليف حياته لذلك كان يراه روبرت أنه الأب الفقير، بينما كان لروبرت صديق كان والده يمتلك عشرات من الشركات الناجحة ولديه رصيد كبير في البنوك رغم أنه لم يحصل على شهادة جامعية وكان يراه روبرت الأب الغني، كان والد روبرت دائم ترديد عليه أن يجتهد في دراسته حتى يحصل على مؤهل جامعي ووظيفة حتى يكون حقق الغاية من الحياة، بينما الأب الغني لا يعول على المؤهل الجامعي أو الوظيفة الحكومية كثيرا، كان يرى أن دروس الحياة والاقتراب من تجارب الناجحين هو الأمر الهام والمتقدم على باقي الأمور، وبالطبع إذا جاءت الشهادة الجامعية لا بأس بها. 

كان هذا الكتاب مفتاح وبداية للقراءات الجادة في الجانب الثقافة المالية، وتعلمت منه ما لم أكن تعلمه في الكلية، أفكار في غاية البساطة ولكنها قادرة على التغيير وإعادة صياغة القناعات وترك كل المفاهيم المشوهة التي هي طريقي الحثيث إلى التكرار والدوران في فلك العادات والتقاليد المتعلقة بالمال، وأن الأغنياء لابد أنهم لصوص وهو أمر غير منطقي ويروج  له الفقراء وبعض رجال الدين كنوع من تنويم العباد واستخدام الدين كنوع من العزاء، والنظر إلى كل غني على أنه نصاب بالضرورة، الوظيفة ليست هي مصدر الأمان الوحيد، لأن يمكن أن يتخلى عن الموظف صاحب الشركة في أي وقت في العمل الخاص، ويكون وقتها ليس في العمر الكثير للبداية من جديد، وفكرة المعاش بعد تجاوز  سن الستين لا يكفله إلا الوظيفة محض هراء، يمكننا أن نعمل بجدية في مشروع خاص ونحقق أرباح لا بأس بها، وبهذه الأرباح نبتاع شقة أو منزلا ونقوم بتأجيره وبذلك يكون مصدر دخل أكبر من قيمة أي معاش أو مثلا التأمين بوضع مبلغ كل شهر في شركة التأمين وعند بلوغ سن المعاش نحصل على قيمة المعاش وهذا ما يحدث في الوظيفة وهو اقتطاع جزء من الراتب وإرساله إلى شركة التأمين، وفي بعض المشاريع ممكن أن يتقاعد صاحب العمل بعد سن الأربعين أو الخمسين بعد أن يكون جمع ما يعيش به باقي حياته، ويكون معاشه في شبابه بدل أن يكون في الفصول الأخيرة من حياته، وهناك عشرات من الأفكار الأخرى التي تبدد حجة وفكرة المعاش، ويقول روبرت في كتابه الممتع أن في المشروع الخاص أنت تحقق أحلامك لا أحلام غيرك، سوف يكبر اسمك ومكانتك أنت لأنك صاحب العمل وبالتالي سوف تجني في النهاية ثمار تعبك وجهدك الحثيث ولا تكون مهدد دائما بفكرة طردك أو فصلك من العمل سواء الحكومي أو الخاص. 

الكتاب ملئ بالحكايات التي لا تخلو من أفكار مهمة وجادة، ولكن حتى لا يكون الموضوع لا يخلو من بلاهة فإذا كنت شخصا ليس لديك خبرة أو دراية في مجال ما ، أو ليس لديك فكرة مشروع وتصور له في رأسك، أو لا تمتلك الجراءة أو المجازفة، أو لا تريد أن تتحمل المسؤولية أو العمل عدد ساعات أكبر أو يكون عملك مرتبط بتارجت معين فلا تقترب من هذا الكتاب وحتى لا تلعني فيما هو آت، أغلق هاتفك أو جهاز حاسبوك الذي قرأت عليه المقال وأنزل ابحث فورا عن وظيفة.
الوسوم:

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *