حتى لا تتسع الفجوة بين الأجيال
تمر الأيام وتتسارع
السنوات في تغيير ملامح وأفكار واتجاهات وآراء الناس باستمرار فينسى الآباء أنهم كانوا
في يوم من الأيام أطفالا وشباب يرفضون ويتمردون علي رغبات وأوامر أبائهم ويتصورن من
وجهه نظرهم أن هذا تعنت وجمود من أبائهم وتقليلا من شأنهم.
وفي الجهة الأخرى
يغيب عن أذهان وعقول معظم الأبناء والشباب انه سيأتي يوما يقفون أمام أبنائهم و يفرضون
عليهم ما يرونه انسب من وجهه نظرهم في كل شيء، ويحددون لهم الخطأ والصواب، ويقسون عليهم
أحيانا.
وبين نسيان وسهو الآباء وطموح ورغبات وتوجهات الأبناء وفكرهم المتطور المستمر، تتجدد مشكلة مستمرة وكبيرة طالما بقيت الحياة وهي «صراع الأجيال» وما يخلف عنه من الفجوة الناشئة بين الآباء والأبناء بكل جوانبها سواء، ورغم أن لكل زمن خصائصه، وكل يرى أن زمنه أكثر حساسية من غيره.
وعليه فإننا نرى
أن زمننا وأيامنا وعصرنا كذلك، يتمتع بخصوصية كبيرة ساعدت في تباعد الفجوة بين الأجيال،
بسبب ما دخل في عصرنا الحديث من تطور متسارع لم تشهد له الحقبات الماضية مثيلا، وتطورا
هائلا بالتكنولوجيا التي حولت العالم إلى قرية صغيرة.
فجوة الأجيال هي
نتيجة حتمية للتطور الاجتماعي البشري والتغيرات التي تطرأ على نمط الحياة مع تقدم الزمن،
لذلك لا يمكن لوم الآباء أو الأبناء على حدوثها، مع ذلك يبقى الأبوين هم من يمتلك كفة
العقل الراجحة وعليهم أن يتجنبوا القيام بما يزيد من هذه الفجوة.
فتعتبر أكثر الفجوات
أساسا للاختلافات بين الجيلين اللاحقة هي الفجوة العمرية، فبقدر ما يبتعد جيل الآباء
زمنيا عن جيل الأبناء، تتسع الفجوات الأخرى، وتضيق مساحة الالتقاء الفكري والثقافي
وحتى اللغوي واللفظي .
فهذا الاختلاف
الكبير في الأعمار خلق مسافات متباعدة من الثقافة والعادات والتقاليد والأفكار والاتجاهات
مما ساعد في بروز أكبر للمشكلة.
وبما أن لكل عصر
طريقة تفكيره وقناعاته وأسلوبه نتجت الفجوة الفكرية وخلقت حالة فكرية معينة لدى أبناء
الجيل الواحد وفيما بينهم، تختلف مع نظيراتها في الأجيال السابقة عنهم.
نأتي أيضا إلي
العادات والتقاليد فمع تغير أسلوب وشكل الحياة الدائم والمستمر ودخول مستجدات جديدة
وخروج أخرى، تتغير العادات والتقاليد بشكل مستمر وهادئ، ربما لا يلاحظه الشخص في نفس
الوقت إلا أن هذا الاختلاف يظهر بشكل واضح في اختلاف العادات والتقاليد بين جيل وآخر،
وكذلك أيضا عن أنماط الحياة كذلك تتغير وأسلوب المعيشة أيضا.
فمثلا نمط الحياة
الثقافية والتعليمية فكثير من الآباء يجهل ما هو الكمبيوتر والأيباد على سبيل المثال
والعكس أيضا تجد الابن أو البنت من اشد المولعين به وبما يحتويه من مواقع ومنصات واستخدامات
.
بعد كل هذا فالمشكلة
الأساسية يا سادة التي تخلق مثل هذه الفجوات وتجعل منها صراع تتمحور في (التربية).
فاكبر المهام وأهمها
التي توجد على عاتق الآباء هي مهمة التربية في كل شيء سواء الدينية والأخلاقية والسلوكية
والثقافية والاجتماعية وغيرها.
لذا فأن أي خلل
فيها يؤدي بالتالي إلى خلل في المهمة التربوية بالكامل.
ونري في ظل هذه
الفجوة أصبحت المهمة التربوية تفتقر إلى العديد من مقومات النجاح، ومن هذه الأسباب:
المستجدات الدخيلة
علي عصرنا أصبح جيل الأبناء والشباب يواجه العديد والعديد من الأفكار والتحديات، تتسبب
له في ضغط نفسي كبير، رغم أن هذا يلزمنا بمزيد من الجهود في التربية والوعي والمزيد
من التفهم لمعاناتهم.
يقول جبران خليل
جبران: «أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة»، وهذا واحد من أكبر الأِشياء التي
على الآباء تفهمها، حيث يسعى معظم الآباء لصنع شخصيات محددة يرغبون بها لأبنائهم، ويغيب
عن بالهم ما يرونه ويحبونه ليس بالضرورة أن يرغب فيه أبنائهم، لذلك يجب عدم إجبار الأبناء
على تقمص شخصيات لا يريدونها وتفهم رغباتهم التي يريدونها هم.
طريقة الانتقاد
التي يستخدمها الآباء مع الأبناء وعدم مراعاة أن الانتقاد لا يولد إلا العناد والتمادي
في الخطأ، وخاصة إذا كانت بصورة تحقيرية أو استفزازية، يجب الاعتماد على أسلوب التوجيه
لنجاح عمليه الإقناع.
افتقار وغياب لغة
الحوار الهادئ والنقاش الهادف السلس ولذلك أدي إلي اتساع الفجوة بين الآباء من جهة
وبين الشباب من جهة أخرى.
من الضروري البحث
عن طرق لإيصال الرسالة والهدف التربوي من الآباء لأبنائهم على أكمل وجهِ وان على الآباء
التعامل بشكل مناسب مع الأبناء، وبطريقة يحترم فيها حق الأبناء في الاختلاف وإبداء
الرأي.
فلابد من الإنصات
والاستماع للأبناء وإتاحة الفرصة للأبناء للتعبير عن أنفسهم والاستماع لهم دون مقاطعة
والاطلاع على أفكارهم ومخاوفهم وطموحاتهم.
التفهم والاستيعاب
وخاصةً إذا كان الأبناء في مرحلة المراهقة، قد تبدو بعد التصرفات التي يقومون بها سخيفة
بعض الشيء، لكن يجب تذكر أن الجميع تعرض لكثير من التجارب المتشابهة، لذلك يجب التفكير
بطريقة تناسب أعمارهم وليست بطريقة الإنسان الناضج.
الانفتاح وتقبل
التغيرات فالعالم اليوم مختلف عما كان عليه في السابق عندما كان الآباء في مرحلة المراهقة،
واختلفت معه الاهتمامات وأسلوب الحياة وتطورت فيه ثقافة مختلفة أيضاً.
فليدرك الآباء
أنهم يصنعون جيل قبل أن يربوا أبنائهم، وأن بين أيديهم ثروة حقيقية يحتاجها المجتمع
ولا يتم التقدم هذا إلا بسواعد الأبناء وتعاون الآباء حتى يصبحوا خير خلف لخير سلف…
هدي مصطفي عبد
العزيز
كاتبة في
التنمية الذاتية