في ذكرى رحيله الـ 30.. يحيى حقي يحكي سيرته
كتب: إسلام كمال
9 ديسمبر
1992، كان موعد رحيل الكاتب الكبير يحي حقي بعد مسيرة طويلة من الإبداع الأدبي
أثرى بها الثقافة المصرية والعربية، كان أول شيء قرأته لـ
يحيى حقي كتاب «خليها على الله» بترشيح من الكاتب بلال فضل، عبر كتابه «في أحضان الكتب»،
و«حقي» كان الكاتب الوحيد الذي رشح له «فضل» 3 كتب في أخر الكتاب.
اخترت «خليها على
الله» كمدخل لعالم «حقي»، والكتاب كان عبارة عن يوميات أو بعبارة أخرى
جزء من سيرته الذاتية، وكان مقسم إلي 4 أجزاء، الجزء الأول عن طفولته ودراسته الحقوق،
وكان زامله في المدرسة الأديب الكبير توفيق الحكيم الذي كان دائما صامت كما يصفه «حقي»،
والجزء الثاني كان عن عمله في الصعيد معاون نيابة، نقل فيه «حقى» تجربته المريرة والتي
لا تخلو من خفة ظل بأسلوبه الساحر والساخر أيضا.
من أعمال يحيي
حقي
تكلم فيه عن عادات
وتقاليد أهل الريف وحكى بعض القصص الطريفة، أذكر منها أن
كان هناك دجال يدّعى أنه يشفي المرضى ويخرج الجن من الأجساد العليلة الذابلة وما إلى
ذلك، قصد الدجال فلاح بسيط وأصطحب معه أبنته، وكانت البنت شاحبة ولا تنطق، فقام الدجال
باغتصاب البنت، فض بكارتها لأنها عذراء، ولما علم الفلاح بالأمر ذهب إلى الدجال وأطبق
في رقبته، فرد عليه الدجال بأنه فلاح لطخ ولم يفهم ما فعله، وجاء ليمسك فيه بدل أن
يشكره، وأضاف مبررا أن البنت كان لابسها جن وعشان يخرجه من جسدها أمامه مكانين لا ثالث
لهما، أما أن يخرج الجن من عيناها أو من بين رجليها، فأختار أن يخرج من بين رجليها
لكي لا تعيش المسكينة باقي حياتها كفيفة!
ويحكي أيضا «حقى»
في كتابة البديع «كناسة الدكان» أنه كان معجب بالشاعر بيرم التونسي، وكان «بيرم»
منفي في فرنسا فكتب مقال عنه وأرسل له المجلة المنشور فيها المقال في جواب عبر البريد،
وتمر السنين ويعود «بيرم» إلى مصر ويلتقي به «حقي» في حفلة ويقبل عليه ويعرفه بنفسه
في زهو، يصافحه «بيرم» في برود وعدم اكتراث، يحدث «حقي» نفسه بـ لابد أن المقال لم يعجبه أو لم يصله أصلا، فينقل
له «حقي» أنه كتب مقال عنه وأرسله إليه في خطاب عبر البريد، فيرد عليه «بيرم» قائلا:
«هو أنت .. الله يخرب بيتك»، ويبدأ يشرح له سبب غضبه، وهو أنه كان يعيش في فرنسا في
فقر مدقع، فلما علم أن هناك خطاب ينتظره ظن أن به مبلغ مالي أرسله له صديق أو ناشر،
وذهب يستلم الجواب وكان عليه أن يدفع رسوم، فدفع أخر فرنكات تبقت معه، ولما فتح الخطاب
صدم بمقال «حقي» فرماه في أقرب صفيحة زبالة.
فيلم
«البوسطجي»
لما تحولت قصة
«البوسطجي» إلى السينما لم يرض عنها «حقي» وكتب وقتها مقال
انتقد فيه الفيلم واحتفظ بنسخة من المقال في جيبه، وكان كل ما يلقاه أحد وينتقد الفيلم
أو يسأله رأيه كان يخرج له المقال ويقول له هذا رأيي.
ومرة تم نقل «حقي»
من وظيفته في عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكان الشيخ محمود
شاكر عند شيخ الأزهر وقتها وعرف خبر نقله فطلب من شيخ الأزهر أن يحدثه -حقي- عبر الهاتف،
نقل شاكر تضامنه معه في المكالمة وخرجت منه شتيمة في حق «ناصر»، وفوجئ بشيخ الأزهر
يغلق السكة ويقول للشيخ شاكر: «الله يخربيتك التليفون مراقب»، وعندما وصل «شاكر» إلى
منزله يجد قوة من الأمن في انتظاره.
في حواره مع نادية صالح في برنامج «زيارة مكتبة فلان»، كان «حقي» حزين
لأن له حوالي 70 عمل متنوع ولكن المقروء منهم 3 أو 4 كتب فقط، وده كان رده على وصف
نادية صالح له بالكاتب الكبير، وأضاف أنها تبالغ، وذكر في الحوار أنه تبرع بمكتبته
التي تجاوزت الـ 10000 كتاب لجامعة المنيا، وأن للأسف الناس اختصرت مشواره الطويل في
«قنديل أم هاشم والبوسطجي»، وأهملوا عن جهل أو قصد بعض أعماله الأخرى الهامة أيضًا،
ومنها «صح النوم»، والتي كشف التاريخ فيما بعد أن رفض نشرها في الأهرام كانت بسبب
أرائه ضد نظام «ناصر»، وكان معها مسرحية «بنك القلق» لتوفيق الحكيم و«المرايا» لنجيب
محفوظ.
رحيل يحيي حقي
رحل العظيم يحبي
حقي قبل سنين طويلة ولكن ظل دوره في التأليف والترجمة باق وعابر للسنين، حيث كان من أول
المؤسسين لفن القصة القصيرة في الوطن العربي، وكان نجيب محفوظ يراه دائما أستاذه رغم
أن فارق السن بينهما خمس سنوات فقط، فضلا عن مساهمة يحيى حقي في نقل الفكر الغربي إلى
العربية من خلال قيامه بترجمة العديد من المؤلفات العالمية التي لم تعرف طريقها إلى
القاهرة إلا من خلال ترجمته.