حكاية المرأة الوحيدة التي خدعت يوسف إدريس
كتب: إسلام كمال
قبل سنين طويلة
أجرى مع الكاتب يوسف إدريس حوار، واتهمه فيه المحاور أنه يصد الشباب الذين يقصدونه
ويَعرضون عليه كتاباتهم، وكان رد «إدريس» أنه لا يصد سوى أنصاف الموهوبين أو عديمي
الموهبة وأن الكتابة ليست بالسهولة التي يظنها هؤلاء، ولكن أضاف أنه يبادر ويرحب باستقبال
أي أعمال في مكتبه في جريدة الأهرام انطلاقا من اليوم.
وكان أول من دخل
عليه مكتبه سيدة خمسينية، وبعد مساء الخير والسؤال عن الأحوال قالت له أنها كانت تهوى الكتابة منذ كانت شابة ولكنها
تزوجت ولم يترك إليها الزواج متسع من الوقت لمواصلة الكتابة وبدأت الموهبة تذبل وتنطفئ
بحكم السنين بالإضافة أنها كانت متزوجة من شخص فظ وختمت كلامها بأنها تحررت بانفصالها
عنه مؤخرا.
وشعُرتْ أن موهبة
الكتابة بدأت تتحرك بداخلها ثانية وجلست وكتبت هذه القصة التي تضعها بين يديه الآن
وطلبتْ منه أن يخبرها برأيه فيها بصدق تام وودعته وانصرفتْ.
وبعد أيام بدأ
«إدريس» يقرأ قصة السيدة وبدأ في قراءَتها وانبهر بأسلوبها ولكن توقف أمامه كثيرا لأن
هذا الأسلوب ليس أسلوب كاتبة هاوية بل أسلوبُ شخص يمارس فعل الكتابة منذ زمن طويل ومحترف
لها، فضلا أن الأفكار التي في القصة أفكار جريئة ولا تعبر عن روح العصر الذي تعيشه
لأنها أقرب إلى أفكار غربية متحررة، فبدأ الشك يعرف طريقه إليه ولكن لا يتذكر أنه قرأ
القصة القصيرة هذه لكاتب غربي من قبل وخاصة أنه أمير القصة القصيرة وأشهر كتّابها.
ولما أرهقه التفكير
وأعياه التأويل قام بنسخ القصة عدة نسخ وفي مؤتمر الكُتاب العرب مرر لكل كاتب نسخة
منها وأوصاهم بالبحث عن مصدر هذه القصة، وعاد إليه بعد أيام كاتب أخبره أن شكه كان
في محله وأن القصة فعلا مسروقة، واتضح أن السيدة قامت باختيار رواية غير مشهورة لكاتبة
غربية مشهورة ، وأن الرواية لم تعرف طريق الترجمة وغير متاحة في مصر وقامت بترجمتها
وقص جزء منها يصلح أن يكون قصة قصيرة وقدمتها إلى إدريس، وطبعا هو تفكير شياطين وإن
كان لا يخلو من سذاجة أدركها يوسف إدريس.
ويبدو أنها طبقت
نصيحة بيكاسو التي تقول إن الفنانين الجيدين ينسخون بينما الفنانون العظماء يسرقون،
تلقى إدريس اتصالًا من السيدة تسأله عن رأيه فطلب منها الحضور إلى مكتبه، وتأهب للهجوم
عليها وطردها بعد شتمها لأنها خادعة، ولكن أعاد تفكيره وقرر ألا يكون عنيفًا معها لأنها
وإن كانت سارقة فهي تعاني من مشكلة نفسية أكيد، لأنه كان طبيبًا نفسيًا قبل أن يعتزل
الطب ويتفرغ للكتابة، ولما حضرت السيدة بدأ يمهد للموضوع بأنه قال لها أن أحيانا نقرأ
أعمالًا وتتطابق أنفسنا معها فنظن أننا كاتبوها، ولم تحتج لوقت لتفهم وانخرطت في بكاء
مرير، انتظرها بعد أن فرغت من البكاء وأخبرها أنه يرحب بأي قصة لها هي كاتبتها وسينشرها
لها، ودعته وانصرفت ولم تعد إليه مرة أخرى.