جاري تحميل ... الفيتشر

مدونة المعافرين في الأرض

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

حوار

شطبي يوسف في حواره مع «الفيتشر»: 80 % من أعمالي الأدبية كتبتها في الغيط ومصروفي كله كان يذهب إلى الكتب

شطبي يوسف

 
- مكتبتي هي كنزي وثروة عمري

- أنا نتاج قراءات متنوعة ومتعددة

- أبطال رواياتي تجاوزوا حدود المجتمع المحلي واقتربوا من العالمية

- طه حسين من القلائل الذين أثروا في التعليم والحياة الثقافية بمصر

 

حوار: إسلام كمال

 

قبل سنوات ذهبت إلى قصر ثقافة المنيا حتى ابتاع مجموعة من الكتب المتنوعة من إصدارتهم، وقفت أتأمل العناوين، اختار ما ليس  عندي واترك ما اشتريته في السابق، جمعت مجموعة من الكتب ووقفت أحاسب، تبقى لي من الحساب مبلغ ضئيل واقترح موظف المبيعات أن أحصل على كتاب به من على الأستاند الذي يستقر في آخر القاعة لأن ليس معه فكه، تقدمت نحو الناحية التي أشار إليه الموظف في خطوت وئيدة، لأن عيني جرت على العناوين القابعة في هذا الأستاند قبل دقائق فمرت سريعا، لأن هذه العناوين لا أعرفها وهؤلاء الكتّاب مجهولين بالنسبة لي، ولكن مجبرا عدت ثانية أمام الأستاند، تناولت كتاب يحمل عنوان الصعود في النار" غلافه عليه شخص يعطينا ظهره وتحيطه النيران، الكتاب مجموعة قصصية لكاتب يدعى "شطبي يوسف" اسم أول مرة أراه على كتاب.

 

ولكن بعد تصفح سريع لعناوين القصص التي يضمها الكتاب قررت أن أضيفه إلى قائمة المشتريات بالمتبقي من الحساب، وفي المنزل ومدفوعا بالفضول بدأت في قراءة أول قصة من المجموعة القصصية ووجدت نفسي افر الصفحات وقصة تجر أخرى حتى فرغت من الكتاب في جلسة واحدة، وعلى لساني تتردد كلمة "الله" مع نهاية كل قصة، فأنا أمام كاتب "صنايعي" حقيقي، موهوب بالفطرة، ولديه لغة شاعرية رائقة، وأسلوب سردي خصب شائق، يكتب كأنه يعزف، استطيع أن أسمع صدى كلماته تتردد في أذني وأتذوق حلاوة لغته في فمي، يكتب أدب جاد غير تجاري، وبدأت أبحث عن الكاتب على "الفيس بوك" وكانت المفاجأة أن ظهر حسابه أمامي بكل سهولة، لأن هناك أصدقاء مشتركين بيننا، ولأنه ولد ويعيش في  المنيا أيضا، أرسلت له طلب صداقة وصرت ابتاع كل ما يكتبه في صمت وإعجاب.

 

في طريقي إلى قرية " نزلة الفلاحين" التي تقع على أطراف محافظة المنيا كنت أتأمل الحقول التي تحيط السيارة على الجانبين، الخضرة تلفنا من جميع الجوانب، ويأتيني من صوت المذياع الذي يشغله السائق صوت فيروز تشدو بأغنية "بكتب اسمك يا حبيبي" تعانق صوت فيروز مع المنظر الذي أراه عبر نافذة السيارة واستدعي خيالي شخصيات رواية "الحرام" ليوسف إدريس و"دماء وطين" ليحيى حقي" و"الأرض" لعبد الرحمن الشرقاوي ومجموعة أعمال عمنا حكاء المهمشين خيري شلبي الذي كتبها عن القرية المصرية وبالتحديد "الوتد" و"اسطاسية" و"الأوباش" وأنا الآن في طريقي إلى كاتب وأديب متفرد، يمتلك موهبة إبداعية تضعه في مرتبة سامقه من هؤلاء الكتّاب العظماء.. في طريقي إلى "شطبي يوسف" الذي كتب عن القرية المصرية مجموعة أعمال بكل تجرد وعذوبة، وجعل من أهل القرية صورة مصغرة من المجتمع المصري، لأن بشكل أو بآخر القرية هي مرآة للمجتمع بكل ما فيه من جميل وقبيح.

 

شطبي يوسف

نزلة الفلاحين

 

انتشلني السائق من شرودي عندما أبلغني أننا وصلنا "نزلة الفلاحين" حملت حقيبتي وترجلت من السيارة، وكل من يمر بي استوقفه واسأله عن بيت "شطبي يوسف" وكانوا يصححوا لي الاسم في البداية بعفوية عندما ينطقوا "شُطبي" بضم الشين لا فتحها كما كنت انطقها، الجميع هنا يعرف شطبي يوسف، لا أحد من الذين  سألتهم أخبرني أنه لا يعرفه أو لا يعرف منزله، في الأول كنت أفعل الأمر بدافع معرفة أين بيت شطبي ولكن تبدل الدافع وصرت اسأل حتى أعرف واقترب من طباع ولكنة هؤلاء الفلاحين البشر الطبيبن التي تحمل القرية اسمهم، سلمني شخص لآخر حتى وجدت نفسي أمام المنزل المنشود، طرقت الباب فخرج لي "شُطبي" بوجهه البشوش وابتسامته الودودة، استقبلي في حفاوة، وبعد السلام والسؤال عن الصحة والأحوال أجلسني في غرفة واسعة، توجد بها مكتبة ضخمة تغطي كل جدران الغرفة وتفيض أرففها بالكتب، طلب لي قهوة وجلسنا نتسامر كأصدقاء قدامي، نتحدث عن الحياة والثقافة والأدب.

 

بداية الراحلة

 

- في بداية حديثنا حابب تعرف القراء من هو شطبي يوسف؟

 

أنا شطبي يوسف، من مواليد قرية "نزلة الفلاحين" إحدى قري محافظة المنيا، كنت مدرس قبل إحالتي إلى المعاش قبل سنوات، مدرس تربية فنية وترقيت حتى أصبحت موجه، روائي ولي 5 روايات منشورة بالإضافة إلى مجموعة قصصية. 

 

- تربية فنية.. هل تحب الرسم؟

 

من زمان وأنا أحب الرسم، قبل حبي للقراءة والكتابة، الرسم حبي الأول وهوايتي أيضا، كان في الماضي يطلب مني الجميع أن ارسمه، لأنهم وجدوا في فنان صغير، يمكنه أن يرسم على الورق أي شي تقع عليه عينه.

 

- ومتى بدأت هواية حبك للقراءة؟

 

في البدء تأثرت بحكايات والداتي، وحين كبرت بعض الشيء وجدت الفلاحين عندهم طريقة مدهشة في الحكي، "بيجيبوا تفاصيل صغيرة وبينمقوا الحكاية"، وغالبا حكايات الفلاحين بيدخل فيها الجن والعفاريت، سطوة الليل في هذا التوقيت  كانت طاغية، ظلام ومفيش كهرباء، فكانوا فعلا يعيشوا تلك الحالة وليس مجرد حكايات، وكانت بتشدني حكاياته، بعدها في المدرسة الابتدائية كان فيها مكتبة محدودة كنت أشتهي استعارة الكتب التي بها واقرأها، وأمين المكتبة شجعني على القراءة، وفي المدرسة الإعدادية كان بها مكتبة ضخمة تضم كل كتب التراث والأدب العالمي، وكانت وزارة التربية والتعليم في ذلك الوقت تهتم بالكتب والأنشطة، فكنت تلاقي فيها تشالز ديكنز وشكسبير وكل الأعمال العالمية، وبدأت اتوسع في المرحلة الثانوية، قرأت في كل المجالات، وساهمت القراءة في توجيه اهتماماتي.

 

أنا نتاج قراءات متنوعة ومتعددة

 

شطبي يوسف

اقرأ أيضًا: يونس نجيب في حديثه مع «الفيتشر»: المثقف يجب أن يكون موسوعي المعرفة والحب نور نرى به الجمال من حولنا

 

- من هم كتّابك المفضلين؟

 

أنا في الأول تأثرت بتولستوي هو قمة الرواية العالمية وقمة الجانب الإنساني في كتابة الرواية،  يعني رواية ضخمة مثل "الحرب والسلام"، ملحمة حقيقية، وليست مجرد خليط من البشر ولكن كل شخصية فيها قائمة بذاتها، يمكن أن تتفاعل وتتشابك معها، وبعد تولستوي تأثرت بدوستويفسكي هذا، يغوص في أعماق النفس البشرية وبيقدم روايات عظيمة، الطب النفسي استفاد منه وعلى رأسهم فرويد، أنا أرى دوستويفسكي كنز مخفي كل واحد يأخذ منه على قدر استطاعته لأنه يمتلك عقلية رهيبة، رغم أنه كان مصاب بالصرع، وكانوا بيسموا الصرع بالمرض المقدس لأن طال كثير من العباقرة، كما أنه تعرض لتجربة قاسية وحكم عليه بالإعدام وفي اللحظة الأخيرة التي تسبق تنفيذ الحكم حصل على عفو وهذه تفصيلية مهمة في إبداعه وأعماله التالية، أيضًا استمتعت بأعمال ماركيز وجيمس جويس ونجيب محفوظ، لا أستطيع أن أقول كاتب واحد فقد المفضل أو تأثرت به ولكن أنا نتاج قراءات متنوعة ومتعددة.

 

- ماذا عن طقوسك في الكتابة؟

 

أنا أترك نفسي لوحي اللحظة، من الممكن أن أظل يومين أو ثلاثة بكتب وأشعر أن «راكبني شيطان»، وأحيانا لا أكتب حرفا، لا أجبر نفسي على الكتابة، أصنع خريطة لأبطال رواياتي ولكن أحيانا تتمرد شخصياتها علىّ وتخلق لنفسها عوالم غير مرتبطة بخريطة أو تخطيط مسبق.

 

أبطال رواياتي تجاوزوا حدود المجتمع المحلي واقتربوا من العالمية

 

هل شطبي يوسف مرتبط بقريته؟

 

أنا عامل مثل السمك لو تركت القرية سأجد صعوبة في العيش والتأقلم، في أغلب أعمالي كانت القرية هي البطل ومكان الأحداث، خلقت من "نزلة الفلاحين" عالم كبير جدا تحركت فيه كل أبطال رواياتي، وبعض النقاد كتب أن أبطالي تجاوزوا المجتمع وتكاد تقترب من العالمية لأنها شخصيات إنسانية، والإنسانية بشكل أو بآخر هي عابرة للأزمنة والحدود الجغرافية.

 

طه حسين من القلائل الذين أثروا في التعليم والحياة الثقافية بمصر

مكتبة شطبي يوسف
اقرأ أيضًا: يونس نجيب في حديثه مع «الفيتشر»: المثقف يجب أن يكون موسوعي المعرفة والحب نور نرى به الجمال من حولنا

 

واضح أن مكتبتك تضم أعمال كثيرة لطه حسين.. ماذا يعني لك طه حسين؟

 

طه حسين إلى جانب أنه رجل لغة ورجل أسلوب فهو مصلح كبير جدا، وكان له دور بارز في التنقيب عن الآثار الأدبية والفكر الإسلامي ودور إصلاحي رغم أن الطبيعة لم تمنحه إمكانيات الرجل العادي، ورغم ذلك تحدي العالم والفقر والإعاقة التي يعيشها، تحدي سطوة المجتمع المتجمد الأصولي الذي كان يعيش فيه، فهو إنسان مملوء بالعناد والتحدي والتنوير، وأنا بعتبره من الناس القلائل الذين اثروا في التعليم في مصر وفي الثقافة عامة، ونحن أبناء المنيا نعتز أنه منياوي النشأة، ككا أنه من أسس جامعة أسيوط، كان وجوده في تلك الفترة مهم في الإصلاح ودفع المجتمع، وقرأت كل أعماله وأحبت «المعذبون في الأرض وأديب» وأظهر لنا التراث في أجمل صورة.

 

80 % من أعمالي الأدبية كتبتها في الغيط

 

- هل لك طقوس في القراءة أو عدد ساعات معينة؟

 

في الماضي كنت احمل حقيبتي وكتبي وأجلس في الغيط تحت شجرة في أبعد مكان ممكن يصل له أحد، قرأت مئات الكتب بهذا الشكل، وفيما بعد عندما أصبحت كاتب كنت أجلس نفس الجلسة و80% من أعمالي كتبتها في الغيط، ولكن بعد زحف العمران إلى الأراضي الزراعية وتجريفها أصبح المنظر قبيح ولا أطيقه فمكثت في البيت بين أوراقي.

 

مصروفي كله كان يذهب إلى الكتب.. ومكتبتي هي كنزي وثروة عمري

 

الروائي شطبي يوسف مع الصحفي إسلام كمال محرر «الفيتشر»
الروائي شطبي يوسف مع الصحفي إسلام كمال محرر «الفيتشر»

- مكتبتك ضخمة جدا وتضم عناوين نادرة.. كيف جمعتها ومتى بدأت في جمعها؟

 

بدأت أجمع هذه المكتبة منذ كنت طالب، ولم اترك كتاب في استطاعتي اقتناءه إلا واشتريته، مصروفي كله كان يذهب إلى الكتب، وكنت أتردد على معرض الكتاب بشكل دوري والمعارض المحلية ومختلف المكتبات، وكنت عندما أسير مع أصدقائي وتظهر مكتبة في الأفق، كان واحد منهم يمسك يدي اليمني وآخر يدي اليسرى ويجروني لأنهم يعلموا انني لو توقفت أمام الكتب سأظل أتصفح عناوين الكتب بالساعات، هذه المكتبة ليست كل ما قرأته، لأني قرأت كتب كثيرة جدا كنت أستعيرها، ولكن مكتبتي تضم أعمال نادرة جدا وأنا مسكون بها وهي كنزي وثروتي التي جمعتها على مدار عمري كله.

  

- 6 أعمال منشورة ألا ترى أنه عدد قليل خاصة إنك تكتب منذ سنوات طويلة؟

 

الحقيقة أنا أكتب من أجل الاستمتاع ولا اربط غزارة الإنتاج بالجودة من عدمها، لأن هناك أمثله كتّاب كتبوا رواية واحدة وكتب لهم الخلود في تاريخ الأدب مثل رواية "ذهب مع الريح" لمارغريت ميتشل أو آخرون كانوا غزيري الإنتاج والجودة مثل دستويفسكي ونجيب محفوظ، المقياس هنا الجودة لا الغزارة أو القلة.

 

- واضح من كلامك إنك ملم بالأدب العالمي؟

 

بالفعل الأدب العالمي كان البوابة لدخول عالم الأدب، يمكن تكون الصدفة وحدها التي فعلت ذلك، حيث وجدت كل الروايات العالمية في مكتبة المدرسة الاعدادية واستمر الحال لسنوات تالية، للأسف أنا قرأت الأدب العالمي في الأول وقرأت الأدب العربي في فترة متأخرة نسبيا.

 

- هل وجدت صعوبة في نشر أعمالك؟

 

فى أول أعمالي الروائية "عصفور النار" وجدت صعوبة كبيرة، استغرقت في كتابتها وقت طويل، ولكن ماذا بعد الكتابة، أريد أن انشر الرواية، ولم أجد أحد من الدائرة المقربة يقرأها، أعطيتها لصحفي يعمل بجريدة الأهرام وهو بدوره أعطاها للكاتب الكبير لويس عوض، قرأها وأعجب بها وقرر أن يكتب عنها ويقدمها، ولكن كان في آخر أيامه، فرحل قبل أن يقدمها، وبينما اتصفح الجريدة وقعت عيني على خبر مسابقة نادي القصة، قدمت برواية "عصفور النار" وحصلت على جائزة، بعدها مررت على دور النشر المختلفة وكنت أجد منهم الصد وعبارات ماركة مين يعرفك؟ وفي نهاية الأمر قدمتها في هيئة الكتاب، وطال الانتظار، فتركتها وقلت اتفرغ لعمل آخر، وفي يوم وأنا بشتري كتب من فرع الهيئة وجدت 3 نسخ من روايتي على الرف، متتصورش مدى سعادتي وقتها كان قد إيه، لأن محدش بلغني أنها خدت اجازة نشر، ولما توصلت معهم قالوا لي دورنا عليك ولم نتوصل إلى شي يرشدنا إليك.

 

- إي رواية تراها بمثابة الرواية "العمدة" من بين أعمالك؟

 

رواية "سفر الموت"  ولكن عند نشرها لقيت التلقي لها ضعيف، لأنها بعيد عن الكتابة التقليدية، لأنها مكتوبة بتقنية تيار الوعي، ودي تقنية مازالت حتى الآن محدودة جدا عالميا،  كتبوا بها جيمس جويس وفرجينيا وولف وفوكنر وماركيز، رحت كاتب جزء ثاني منها اسمه "سفر اليقظة" كان مشروع طموح إني أكتب رباعية زي رباعية الإسكندرية، و ابتديت أوضح الغامض في رواية "سفر الموت" لذلك باستمرار بنصح اللي عايز يقرأ يبدأ برواية "سفر اليقظة" قبل  صفر الموت، لأن مفيهاش تعقيدات سفر الموت أو تداخل للأحداث والأزمنة، مشيت بانسيابية ولكن بنفس التقنية  بس بصورة بسيطة على أساس تبقى مكملة لسفر الموت واتمنى أن ربنا يديني العمر وأكمل الرباعية لأنه مشروع روائي طموح.

 

- هل تعكف على كتابة عمل جديد ممكن يرى النور قريبا؟

 

حاليا أنا بكتب رواية فيها من حياتي الشخصية والثقافية وحياة مصر، أنا كاتب منها حوالي 700ص وممكن تصل لـ 800 ص.. أصلها رواية ضخمة ربنا يقدرني واخلصها بالشكل الذي أتمناه ويليق بها.

 

- متى تحولت من كتابة الرواية إلى كتابة القصة القصيرة؟

 

بعد 3 روايات.. تأثرت بيحيى حقي ويوسف الشاروني في كتابة هذا الفن، وبشوف يحيي حقي له فضل كبير في كتابة فن القصة القصيرة، ويوسف إدريس أيضا كتب حاجات في القصة أنا بتعتبر أنها نماذج إلى الآن متكررتش، هو في القصة القصيرة أستاذ فعلا، بالإضافة إلى تشيخوف بكل تأكيد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الوسوم:

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *