محمد رُحيم في حواره مع «الفيتشر»: أكل الدايت موفر.. ومفهوم «اسأل مجرب» ينتج عنه كوارث صحية
في حوار مطول مع «الفيتشر» تخطى حاجز الـ 30 دقيقة، يتحدث
الدكتور محمد رحُيم، أخصائي التغذية العلاجية وعضو الجمعية المصرية للسمنة، عن كل
ما يتعلق بالتغذية العلاجية وأسباب عدم انتشار ثقافتها في مصر والعوائق التي تقف
في طريق ذلك، كما يتطرق للكثير من الأمور ويكشف العديد من الأسرار الخاصة بهذا
المجال، إضافة إلى محاولته تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة لدي فئات مختلفة من
المصريين، حول التعذية العلاجية والأنظمة الغذائية التي لجأ إليها الناس خلال
السنوات الأخيرة، خاصة بعدما حقق الكثير من النجاحات خلال السنوات الأخيرة مع مئات
الحالات التي كانت تعاني من السمنة وغيره من الأمراض الخاصة بالتغذية العلاجية.
ثقافة التغذية العلاجية غير منتشرة بمصر حتى الآن بالشكل
الكافي
وفي البداية يقول الدكتور محمد رُحيم إن التغذية
العلاجية أصبحت أمر في غاية الأهمية في حياة كل الناس بمختلف أسلوب حياتهم، موضحًا
أنها المسئولة عن تحديد ماذا يمكن أن يأكله الإنسان العادي وكذلك الشخص الرياضي
وكذلك المرأة والأطفال، فكل شخص من المفترض أن تختلف تغذيته العلاجية عن الأخر، ومؤكدًا
في ذات الوقت أن ثقافة التغذية ليست منتشرة بين الشعب المصري حتى الآن بالشكل
الكافي، نتيجة أن هذا الشعب يحب الطعام بشكل عام ولهذا نجد جميع المناسبات المصرية
مرتبطة بالطعام: «لو رحنا فرح بناكل، ولو روحنا نعزي بناكل» فالطعام بالنسبة لنا
وسيلة للتعبير عن الفرح والحزن.
ويشير إلى أن ما يزيد الأمر صعوبة أيضًا يتمثل في ثقافة
الشراء والاستهلاك المنتشرة بين الشعب المصري، فكثير من شعوب الدول الأخرى يشترون
الفاكهة بالواحدة، أما في مصر يشترون بالكيلو جرام: «يقولك أنا كلت بطيخة، طب كلت
قد ايه، تلاقيه واكل حوالي 2 كيلو بطيخ»، ومنبهًا أن الأمر أيضًا متعلق بثقافة
الطعام المصاحب للعمل وحتى الأطفال نجد الأمهات يحرصن على أن يذهب أطفالهم إلى
المدارس وهم محملون بكميات كبيرة من الأطعمة: «اللانش بوكس بيقى فيه سندوتشين تلاتة،
وبيضربوا الولد لو مكلهمشي»، موضحًا أن تلك الممارسات زرعت في ثقافة الأطفال من
صغرهم بأنه عليه أن يأكل كميات كبيرة طوال الوقت، وليس بأن يأكل ما يحتاجه فقط
ليمد جسده بالطاقة اللازمة له.
ويلفت أخصائي التغذية العلاجية، إلى أنه بالرغم من ذلك
فأن هذا الأمر بدأ يتحسن بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة رغم تعارضه مع الهوى الخاص
بالشعب المصري الذي اعتاد على «أي حاجة بنحشيها، حتى الطمام بنحشيها»، لكن هذا
الأمر يتغير بعض الشيء خلال وقتنا الحالي.
وينبه «رُحيم» أن تغيير هذا الهوى الشعبي المتعلق
بالطعام ونشر ثقافة التغذية العلاجية لابد أن يبدأ من الآباء والأمهات، الذين يجب
عليهم أن يسعوا في طريق نشر تلك الثقافة في نفوس أبنائهم وأن يجعلوهم معتادين
عليها، موضحًا أنه يجب أيضًا ألا يقتصر هذا الدور على الأب والأم فقط بل على كل
أفراد الأسرة والعائلة الواحدة: «ممكن نلاقي طفل 15 سنة عامل دايت وملتزم بيه
وأبوه وأمه مساعدينه ومشجعينه، يروح عند جدته تقولهم ليه الولد وشه خاسس ليه»، وفي
تلك الحالة نجد أن هناك مشكلة قد تجعل الطفل يتخلى عن نظامه الغذائي.
ويضيف أن الفترة الأخيرة ومع انتشار «الجيمات» أصبحنا
نلحظ اهتمام كبير بعض الشيء من الكثيرين بالتغذية العلاجية: «الثقافة الحمد لله
دلوقتي بدأت تتغير، ومستوى تعليم الناس لما بقى أحسن بدأت الثقافة دي تنتشر»،
إضافة إلى توفر الأكل الصحي حول الناس الآن، لكن المشكلة تكمن في أن ذلك يحدث بعد
أن تسبب المورث الشعبي في مصر الخاص بالطعام في تدمير الكثير من الأجيال.
أكل الدايت موفر.. ويجب على طبيب التغذية ألا ينتزع
حالاته من بيئتها
ويؤكد أخصائي التغذية أنه ليس هناك ما يسمى بنظام غذائي
يناسب الجميع، موضحًا أن طبيب ينبغي عليه أن ينتبه أولًا لأسلوب حياة والبيئة
المحيطة بأي حالة تلجأ إليه حتى يضع النظام الغذائي المناسب له، ناصحًا أيضًا
بضرورة أن يحتوي هذا النظام على طعام مناسب ومتوفر لأسلوب حياة كل حالة.
وينفي «رُحيم» صحة اعتقاد البعض حول أن أطعمة الأنظمة
الغذائية مكلفة وباهظة للثمن، مؤكدًا أن هذا ليس بالصحيح على الإطلاق طالما اعتمد
أخصائي التغذية على أطعمة متوفرة بمحيط حالته وقتها سنجد أن التغذية العلاجية توفر
لتلك الحالة أموال وليس كما يعتقد ستكلفه الكثير: «يعني لما أقولك في الفطار بدل
ما تاكل 5 أصناف كل صنفين بس، أنا كدا بوفرلك ولا بزود عليك أعباء مادية، بشرط ما
ابعدكيشي عن بيئتك، يعني ما ينفعشي مواطن عايش في أرياف مصر أقوله أفطرلي زبدة فول
سوداني»، هذا لا يصح لأن هذا الطعام لن يكون مشبع بالنسبة له في المقام الأول، إضافة
إلى أنه سيكلفه الكثير من الأموال قد لا تتناسب مع مستواه المادي، ولهذا من المهم
للغاية أن يسأل أخصائي التغذية عن طبيعة عمل كل حالة ومكان سكنه ومواعيد نومه
واستيقاظه وكذلك مجهوده العضلي وهل يعتمد على أي أدوية أو علاجات في حياته
الطبيعية، إلى جانب أسئلة كثيرة يجب أن يعرف أخصائي التغذية إجاباتها قبل أن يضع
النظام الغذائي المناسب للحالة التي يتعامل معها.
«اسأل مجرب ولا تسأل طبيب».. موروث ثقافي بمثابة
الكارثة الصحية ونتيجته «بتوديك ورا الشمس»
وحول اقتناع بعض المصريين بالمثل الشعبي المنتشر «اسأل
مجرب ولا تسأليش طبيب»، يحذر أخصائي التغذية من هذا الاقتناع مؤكدًا أنه يمثل
كارثة على صحة الإنسان، منتقدًا لجوء البعض إلى شخصيات خاضت تجربة فقدان الوزن قبل
ذلك والاعتماد عليهم كونهم مرجع سليم: «لو عايز ابني يكون شاطر في الفيزياء
المفروض هروح لمدرس فيزياء، مش أروح لطالب كان شاطر في مادة الفيزياء»، فالأمر
خطير للغاية خاصة من يلجئن إلى أدوية معينة لمجرد أن أحد الأشخاص من دائرة معارفهم
وصلوا إلى نتيجة جيدة بفضلها، ولهذا أساتذة علم التغذية العلاجية أصحاب الخبرات
الكبيرة، كان بعضهم يطلق على نفسه لقب «ترزي»: «بمعنى أن النظام الغذائي لازم يكون
متفصل على صاحبه، لو عندنا شقيقين توأم مينفعشي يكون الدايت بتاعهم واحد، لازم كل
نظام يكون مناسب لطبيعة عمل وأسلوب حياة كل أخ منهم على حدة».
وينتقد عضو الجمعية المصرية للسمنة، إقدام بعض مدربي
الصالات الرياضية على تقديم نصائح وأوامر لمن يتدربون معهم تخص ما يتناولونه دون
أي دراسة علمية، مؤكدًا أن ذلك الأمر في غاية الخطورة والدليل وفاة عدد ليس
بالقليل من المشاهير بعد انتهائهم من تدريباتهم بالصالات الرياضية، مستشهدًا
بواقعة الفنان الراحل هيثم أحمد زكي وغيره، صحيح الأمر غير مثبوت والعلم عند الله
عن الأسباب التي أدت إلى حدوث الوفاة: «بس جرب كدا تروح لدكتور تقوله أنا عايز أخد
حقن تكبر العضلات وتنشف جسمي من الدهون، إجابته هتكون أنا مدرستيش الكلام ده،
فاسأل مجرب بتوديك ورا الشمس».
ويستشهد «رُحيم» بوقائع وفاة عدد ليس بالقليل من أبطال
كمال الأجسام في سن الأربعينات، ولهذا يجب أن يتحول هذا الموروث إلى اسأل طبيب
وليس صاحب التجربة، منتقدًا سعي الشباب وراء حلم تضخيم عضلاته وأن يصبح شكله مشابه
لأبطال كمال الأجسام، مشيرًا إلى أن كل شخص من المهم أن يعمل على أن يحصل على شكل
الجسد والعضلات التي تساعده على طبيعة عمله، فالعضلات التي يحتاجها لاعب كرة قدم
ليست مثل الذي يحتاجها صحفي أو مهندس أو غيره من المهن المختلف.
ويعرب طبيب التغذية عن رفضه التام والقاطع لعمليات
التخسيس، مشيرًا إلى أنها ليست الطريق الأمثل للوصول إلى حلم جسد رشيق ومنتقدًا
استسهال الأمر واللجوء إليها: «أولادنا لما بيجلهم لوز مش بنعمل لهم عملية
ويشيلوها إلا بعد ما يشتكوا منها 4 أو 6 مرات في السنة»، فلماذا يلجأ البعض إلى
تلك العمليات دون حتى المحاولة الجادة نحو أن يفقد وزنه بطريقة التغذية العلاجية،
مؤكدًا أن الأشخاص عليهم أن ينظروا إلى العمليات الجراحية وكأنها الحل الأخير فقط
بعد أن يجربوا كل الحلول ولا يستطيعوا التوصل إلى نتيجة ترضيهم.
ويوضح بأن خير دليل على حديثه بأن الآن لا نسمع عن
عمليات تدبيس المعدة، التي كانت منتشرة بشكل كبير قبل ذلك: «وده حصل ليه لأن 100%
من عمليات التدبيس بترجع إلا من رحم ربي»، مشيرًا إلى أن الحالات التي أقدمت على
تلك العملية اكتشفت هذا الأمر بعد مرور حوالي م 6 إلى 7 سنوات على إجرائها.
ويلفت إلى أن عمليات تحويل المسار أصبح أيضًا الإقبال
عليها ضعيف للغاية، بعدما اكتشفوا أن نسبة 30% وأكثر ممن يقدمون على تلك العملية
يتوفون بعد حوالي سنتين أو ثلاثة فقط، مطالبًا الجميع بالمحاولة فقط أن يفقدوا
الوزن بالطريقة السليمة الآمنة، كاشفًا أيضًا أن عمليات التخسيس يصاحبها الكثير من
الأعراض الجانبية وبالأخص «الترهلات» التي تجعل الإنسان يجد صعوبة كبيرة في تقبل
شكله بها.
الدايت مش موضة.. للأسف البعض يختار النظام الغذائي
وفقًا للتريند وهذا خطأ كبير
ويردف «رُحيم» أن السنوات الأخيرة شهدت انتشار أكثر من
نظام غذائي كل واحد بينهم كان المسيطر وقتها بين الناس وكأنهم يتعاملون معها على
أنه موضة ويجب أن يتبعها الجميع دون النظر أو مراعاة هل يناسب الشخص المُقدم عليه
أو لا: «يا جماعة الدايت مش موضة»، فمن سنوات كان هناك نظام «الكيتو دايت» والآن
هناك نظام «الصيام المتقطع» والكثيرون يجربوا دون استشارة طبيب تغذية من مبدأ أن
بعضهم وصل إلى النتيجة التي يرغب بها من خلال تلك الأنظمة فقط، ولمن لا يعرف نظام
الصيام المتقطع على سبيل المثال لا يناسب من يعمل بدءًا من السابعة صباحًا وينتهي يومه في الثانية عشر من منتصف الليل، كما
أنه لا يتناسب مع هرومونات النساء في بعض الحالات، كما أنه بمثابة الكارثة لمن
يعانون من مشاكل صحية بالقلب أو الضغط أو السكر.