الترزي الزملكاوي.. «الدولي» ينتصر على شلل الأطفال بالعمل: «نفسي في عمرة»
داخل ورشة صغيرة بحوائط مرتفعة بعض الشيء يغطيها اللون الأخضر الفاتح، متواجدة على الطريق الرئيسي لقرية ميت العطار التابعة لمركز بنها بمحافظة القليوبية، يجلس «الدولي» وأمامه ماكينة الخياطة الخاصة به، يمارس عمله في صناعة الجلباب لزبائنه من أهالي قريته بكل صبر، فعينه وتركيزه منشغلان بكيفية إخراج أحدث إنتاجاته من الجلاليب في أفضل شكل وصورة، وأذنه مع معلق مباراة الزمالك المبثة عبر تلفازه البسيط، ينتظر أن يسمعه وهو يصيح معلنا إحراز لاعبي القلعة البيضاء هدف، حتى يرسم على وجه إبتسامة عريضة، غير مكترث على الإطلاق بالإعاقة الحركية التي يتعايش معها منذ أن كان طفل قبل 3 عقود وأكثر بسبب شلل الأطفال، وكأنه يقول له: «نعم أنا الرجل الذي قهر شلل الأطفال وأصبح من أشهر ترزية الجلباب في قريته».
علاء طلعت رجب،
الشهير بـ «الدولي»، ترزي جلباب، يبلغ من العمر حاليًا 38 عام، عايشهم جميعًا في
حرب معاركها ممتدة حتى الآن مع شلل الأطفال، الذي يُقيد حركته بشكل كبير، لكنه لم
يستطيع أن يقف عائق أمامه لتحقيق كافة أحلامه في أن يصبح مثل أي شاب لا يعاني من
أي أمراض أو إعاقات وينجح في عمله ويصبح من الأشهر في صنعته على مستوى مجتمعه
الريفي الصغير، وكذلك على مستوى الحياة الأسرية بعد أن تزوج من الفتاة التي
اختارها عقله وأنجب منها 3 أبناء أطلق على أصغرهم اسمه «علاء»، فرحًا بما حققه في
حياته من إنجازات خاصة به، بسيطة في عيون البعض وكبيرة للغاية في عينه، وفق ما
يؤكده «الدولي»، في حديثه مع «الفيتشر».
مشاعر طفل
«كنت عيل صغير، مش
عارف أنا مش بجري واتحرك زي العيال في الشارع ليه»، بابتسامة ساخرة مما عاني منه
وهو صغير، يتذكر «الترزي» المشاعر والأحاسيس التي كان تهاجمه وهو طفل صغير بسبب
شلل الأطفال، الذي قضى بسببه شهور وسنوات من حياته بالمستشفيات على أمل أن يتعالج
منه ويصبح مثل بقية الأطفال من أبناء قريته: «أبويا لف بيا على كل المستشفيات في
بنها ونزلنا كمان مصر، وعملت عمليات كتير، بس شلل الأطفال ملوش علاج».
3 إبتدائي
والد الطفل لم
يحرص على علاجه فقط، بل أصر وقتها أيضا على أن يدخل نجله مدرسة قريتهم ويبدأ
مشواره مع التعليم، لكن «علاء» لم يحب المدرسة ولا التعليم مثلما وقع في حب
الزمالك والخياطة: «فضلت في المدرسة لحد 3 إبتدائي، وبعدين قولت لأبويا مش عايز
أكمل»، لكن هذه الرغبة قوبلت في الرفض من الوالد في البداية: «كان بيوديني كل يوم
المدرسة بالموتوسكيل»، قبل أن يستجيب في النهاية إليه على شرط أن يتعلم نجله صنعة
تؤمن له مستقبله وتجعله قادر على تدبير احتياجاته المادية.
12 عام
وقتها كان يبلغ
«الدولي» 12 عام فقط وبين عشية وضاحها وجد نفسه داخل ورشة خياطة، ينتظر أوامر مالكها
المختلفة لينفذها بكل اجتهاد وحب: «حبيت الخياطة من أول ما روحت ورشة الأسطى سامي
إبراهيم اللي علمني الصنعة»، لدرجة كانت تجعله يتحمس بشدة كلما يطلب منه صاحب
الورشة أن يستقل أحدى سيارات الأجرة ويذهب إلى مدينة بنها المجاورة لقريته حتى يشتري
له بعض المستلزمات الخاصة بالعمل: «كنت بمشي على العكاز بتاعي لحد المواصلات، وكنت
فرحان أوي باللي بعمله، احساس إني مش معاق وأقدر أعمل أي حاجة زي كل الناس كان
بيطيرني من الفرحة».
ورشة خاصة
ومرت بعد ذلك
الأيام والسنوات والطفل الصغير أصبح صنايعي كبير وافتتح ورشته الخاصة قبل حوالي 14
عام: «وقتها كنت خايف أوي ومش عارف هنجح ولا لاء، بس أبويا دعمني وهو اللي أجري
المحل ده واشترالي مكنة الخياطة، والحمد لله جالي أول زبون بعد يوم واحد بس من
الافتتاح»،
الحلم المنتظر
ومن بعدها استقر
الحال وكثرت الزبائن المترددة على ورشته من أهالي قريته والقرى المجاورة له، ليحقق
حلمه بعدها بالزواج وأن يصبح أب، على الرغم من تخوفه بأن يرفض كزوج بسبب إعاقته
الحركية: «بس الحمد لله مراتي وأهلها وافقوا وكان أسعد يوم في حياتي والحمد لله
عندنا 3 أولاد دلوقتي»، ليحقق كل أحلامه التي داعبته من وهو طفل صغير باستثناء حلم
واحد فقط يتمنى من الله أن يساعده في تحقيقه خلال الفترة القادمة: «نفسي أعمل عمرة
وأزور الكعبة المشرفة».
الزملكاوي الأشهر
يعتبر «الدولي»،
من أشهر مشجعين نادي الزمالك في قريته الواقعة على أطراف مدينة بنها، وبسب خفة دمه
التلقائية وكره الكبير لنادي الأهلي والحقد على إنجازاته التي يحققها باستمرار، لا
يترك فرصة في ممازحة أصدقائه وزبائنه من جماهير المارد الأحمر، تمر أمامه دون أن
يستغلها: «بحب أضحك معاهم وأغيظهم، مفيش أحسن من الضحك، بيسهل علينا الدنيا
ومشاكلها».