جاري تحميل ... الفيتشر

مدونة المعافرين في الأرض

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

حكاية

الأشرار لا يأكلون الجبن القريش.. الفصل الخامس



رأيته عندما دخل المقهى  ويبدو عليه الارتباك، كان زائع النظر مكمدّ اللون، مسح المكان بعينه حتى وجدتي أجلس في ركن داخل المقهى، أقترب من الترابيزة التي اجلس عليها وسحب كرسيا وجلس في مقابلتي، قال لي أن هناك أمرا هاما ولا يقبل التسويف أو التأجيل، كان صوته مرتعشا وهو يتحدث، رابني مظهره فهي المرة الأولى التي أرى فيها الأسطي سيد علي هذا الحال، نظرت إليه مستفهما حتى أعرف كُنة ارتباكه، أخرج سيجارة وأشعلها وبدأ في الحكي، قال لي أن اليوم حدثت صدفة لم تكن في الحسبان أو حتى جرت على بال، ركبت معه حبه القديم، فتاة الكلية التي كانت تدرس معه، لم يتعرف عليها للوهلة الأولى عندما جلست بجانبه في "الكابينة" وهي التي قالت له أنها "سارّة" وارتسمت على وجهها إبتسامة وهي تتابع "البنت اللي كنت تكتب لها الشعر"..

 تجمدت ملامحه وتبعثرت أعصابه من المفاجأة، وحاول أن يتلملم في كرسيه ويحافظ على ثباته، كانت جميلة كالمرة الأولى التي رأها فيها، تتكلم بصوت نواعمي، حاول ألا ينظر إليها ويركز في طريقه بعد أن بادلها السلام، ولكنها واصلت كلامها وأخبرته أنها لم توفق في زواجها، لأن زوجها لا يطاق، كان دائم الخناق ولسانه فلتان، ومتعدد العلاقات، وكان يشعرها أنه اشتراها، طلبت منه أن يتغير ولكن بلا طائل، بل أصبح الأمر أكثر تصاعدا وعرف طريق السهر خارج البيت والمخدرات أيضا، وهنا قررت الانفصال عنه، وحمدت الله أنه لم يرزقها بطفل منه، وتعمل الآن سكرتيرة في مكتب محاسبة، وعندما انتهت من الجزء المبتور من حكاية ما بعد الكلية، كانت الدموع تلمع في عينيها ولكنها ظلت متماسكة، وواصلت أنها لا تعرف السبب الذي دفعها إلى حكي ما جري له بالتحديد..

خاصة من الجائز أن يشمت فيها، وحاول هو أن يخفف عنها وطأة ما مرت به وقال كلاما كثيرا عن سوء الاختيار ليس نهاية الحياة، والذي يعيش ياما هيشوف، وأنها مازالت شابة والدنيا أمامها، وعندما فرغ من مواساته طلبت هي منه أن تعرف ماذا فعلت به الأيام، فضحك وأخبرها أن الأيام فعلت به ما ترى الآن وصار سواق ميكروباص، تزوج وانجب ولدا وبنتا، سألته هل تحبها، فأجاب بنعم، فتمنت له السعادة مع أسرته، وقبل أن تغادر السيارة تبادلت معه أرقام الهواتف، حتى إذا احتاجته في شيئ سيكون أول من تلجأ إليه، لأن العشرة لا تهون إلا على جاحد، وإذا كانت علاقتهم لم تنته بالزواج فممكن أن يحتفظوا بالصداقة. 

سألته عندما فرغ من كلامه عن سبب قلقه، فالأمر يبدو عاديا، يمكنه أن يعتبر اللقاء كأنه لم يكن، ويضع رقمها في البلاك ليست، ولكنه قال لي أن الموضوع ليس بهذا السهولة، فالقلب لا سلطان عليه، ورغم كل ما فعلته سارة معه ولكنه مازال في القلب شيئا لها من الحب أو قل الود أن أردت، ألجم كلامه لساني، واعدت عليه ما قاله لي عن زوجته وأطفاله الذين هم ورثه في الدنيا، فأجاب بهذا السبب الذي جعله يلجأ إلى، لعل أجد له حلا من الكتب التي قرأتها، وأن أضع نفسي مكانه، فوجدت نفسي في حيرة كبري، وقلت له ساخرا يا عزيزي الحب أرهق العباقرة والمفكرين على مر العصور، وأن نابليون الطاغية العتيد ذلته جوزفين، ونيتشه فيلسوف القوة الذي كان يقول إذا ذهبت إلى المرأة اصطحب معك السوط، ولكن هُزمت فلسفته عندما أحب سالومي..

هذه الفاتنة التي أحبها الكثيرين ومنهم عالم النفس الشهير فرويد أيضا، لدرجة أن هو وفرويد أصبحوا مادة للتندر ومُسخة في الغرب، وقامت إحدى الصحف برسم كاريكاتير كان عبارة عن سيارة تركبها سالومي ويدفعها من الخلف نيتشه وفرويد، نجيب محفوظ نفسه أحب فتاة في فترة الشباب ولكنها كانت من طبقة ارستقراطية، فلم تهتم بحبه واختارت أن ترتبط بشاب من توبها، وأنتهى الأمر بنجيب بزواجه زواجا تقليديا ولكنه لم يخلو من المودة والأحترام على مدار عمره المديد، وجدت نفسي اثرثر بحكايات محاولا بها تقديم العزاء دون أن أقدم حلا شافيا وافيا، وهنا انقذني المعلم حسن - الذي كان يرمي أذنه معنا منذ بداية الحوار- عندما قال للأسطي سيد "بلاش خولنه بقي.. مرة سابتك وراحت لغيرك لسه بتفكر فيها.. بروح أمها افتكرتك بعد ما خدت خازوق مغري.. قول لقلبك العلق دي واحدة فاضية وعايزة تلعب بيك تاني" حمدت الله على تدخل المعلم حسن الذي خلصني من ورطة تقديم حلول ومسكنات وأنا لم أحب في حياتي إلا مرة واحدة، كانت قبل سنوات طويلة. 

ودعت الأسطي سيد والمعلم حسن وانصرفت بعد أن أخبرتهم إني في طريقي إلى حضور" انترفيو" عمل، كنت قرأت في اليوم السابق إعلان عن فرصة عمل على الفيسبوك، وكان الإعلان يطلب شاب يكون على دراية بالسوشيال ميديا والأدب والقراءة وما إلى ذلك، وطبيعة العمل تسجيل القصص والروايات تسجيلا صوتيا ويوضع على قناة على اليوتيوب خاصة بصاحب العمل، تحمست للفكرة وقلت لنفسي إنني لدي مخزون ثقافي لا بأس به ويمكنني أيضا أن ارشح بعض الأعمال الأدبية لتسجيلها، وبدأت في تحضير ما سوف أقوله حتى أبهر صاحب العمل في الانترفيو بثقافتي الواسعة. 

كان على أن استقل سيارة تقلني إلى مكان الانترفيو لأنه كان في مدينة المنيا الجديدة، شعرت بالريبة في البداية لأن المنيا الجديدة مدينة خاوية من السكان وأقرب إلى الصحراء، أرسلت العنوان ورقم هاتف صاحب العمل إلى صديق لي وطلبت منه أن يبلغ الشرطة في حالة عدم عودتي بعد ساعة، وصلت إلى مقر الانترفيو، كان في شقة في الدور الثالث في إحدى العمارات الجديدة، طرقت باب الشقة وأنا أقدم قدم واؤخر أخرى، فتح لي الباب شخص ضخم الجثة وأصلح، مد لي يده مسلما وبعدها دعاني للدخول، مررنا داخل الشقة بعدد من الغرف المغلقة حتى وصلنا إلى غرفة في آخر الشقة، كان بها جهاز كمبيوتر وعدد 2 كرسي، جلست وجلس هو بجواري، وبدأ يشرح لي الفكرة القائمة عليها طبيعة العمل، وقال لي أنه يقيم بالسعودية وهو الآن في أجازة..

وأنشأ هذه القناة حتى تدير عليه دخلا من خلال عدد المشاهدات وخاصة في الخليج، وبدوري عرفته بنفسي، وطلب أن أقوم بقراءة قصة معدّه مسبقا على جهاز الكمبيوتر حتى يقوم بتقييم ادائي، وعندما نظرت على القصة وجدتها قصة مهترئه، على لسان امرأة تعمل مدرسة، ويبدو أنها خليجية، وتحب شاب تدّرس له، حب من أول نظرة، وبدأت تستدعيه في خيالها وتتأوه وما إلى ذلك من أشياء تحدث في السرير، وعندما وصلت لنهاية القصة شعرت أن الأمر مريبا، خاصة بعد ما قال لي صاحب العمل أن صوتي دافئ ونقي ويصلح للتسجيل وهو يملّس على كتفي، ولكن كان على أن أقوم بقراءة القصة عمليا..

 وشرعت في القراءة وكان يستوقفني الرجل بين فقرة وأخرى طالبا مني أن اقرأ ببطء وأحاول أن اتنهد وأنا اقرأ ويا سلام لو جعلت صوتي مبحوحا قليلا،  كانت هتفلت مني ضحكة تتبعها شخرة اسكندراني لاعننا اليوم الذي جعلني أجلس هذه الجلسة المشبوهة مع هذا الرجل الغريب، وقبل أن أرد عليه دخل علينا من العدم شخص أشك في تحديد نوعه، كان شاب ولكن أطال شعره إلى الخلف ووضع به توكة، وكان يلوك لبنانة بحركة لا تخلو من مياعة، قدمه لي صاحب العمل قائلا أنه المسؤول عن إدارة هذه الشقة في ظل غيابه في السعودية، ثم تركني وخرج من الغرفة مع الشاب حتى أخذ راحتي واتمرن على قراءة القصص بالأسلوب الأمثل، قلبت في جهاز الكمبيوتر محاولا أن أبدد الشك الذي تملكني لعلي أكون مكبر الموضوع..

ولكن كانت كل القصص على الجهاز من نوعية هذه القصة، كلها تتحدث عن الإغراء والعلاقات الشاذة وإثارة الغرائز، وقلت في داخلي أن هذه الشقة لابد أنها مشبوهه، وهذا الرجل قوادا في الخليج، والغرف المغلقة ربما تكون مجهزة لممارسة الرذيلة وعرضها في الخليج، وأن فكرة تسجيل القصص بصوتي هي البداية وإذا ابلبت بلاءً حسنا ربما اترقي إلى دور معلق على العلاقات الجنسية بطريقة الراحل ممدوح فرج، ومن يعلم ربما اكسب ثقة صاحب العمل وأصبح يوما من مؤدين هذه العلاقات الجنسية، انتشلني من أفكاري صاحب العمل عندما عاد إلى الغرفة وسألني عن الأخبار وإلى أين وصلت، قلت له أن الأمر ليس صعبا ولكنه يحتاج إلى تمرين حتى أصل إلى النبرة والأداء المطلوب، لذلك طلبت منه المغادرة الآن على أن أقوم في منزلي بالتمرين وإرسال له القصة بصوتي على الواتساب، وحتى أسبك الكذبة عليه طلبت منه أيضا أن يرسل لي القصة مكتوبة على الواتساب حتى اسجلها بسهولة دون البحث عن قصص أخرى، وعندما صرت في الشارع حمدت الله إنني خرجت من هذه الشقة سالم لا فاقد عقلي أو حتى جزءا من جسدي، لأن الرجولة مواقف مش التصاق أفخاذ، وكنت وأنا أسير في الطريق استدعى ما دار في الشقة قبل قليل وأضحك وأنا أردد جملة عمنا توفيق الدقن الخالدة.. أحلى من الشرف مفيش!


الوسوم:

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *