حكاية
جُرم.. قصة قصيرة من تأليف مريم الديب
لم أكُن أقصدك، غير أني أهوى المسِير.
بقيّت أتلفظ بتلك العبارة بينما أنتقل من وادٍ لآخر.
لا صوت سِوى حفيفِ الأفاعِي المُنتشر، ذاك الذي ما لبثتُ الفرار من صُوَره الواقعيَّة، المُتزينة بثيابِ الأحرارِ، إلا ووجدته بهيئتِه السامَّة يُلقي عليّ السلام بين كُل حِين.
إنه لأمر طبيعيّ أن يلحظ المرء إحدى الحيواناتِ المُفجعة، لكن عندما يتم الأمر في الفناءِ، بعيدًا عمَّن يُمكنهم نزعِ رجفةِ الفؤاد، وإبدالها بسكينةٍ إثر تفاعلهم، وإبعاده عن الخطرِ، والتدخل السريع.. شيء يحتل قمَّة قوى الرعبِ! شعرتُ بلحظاتِ المُحتضر، لم يفرق بيننا غير قدرتي المُرتعدة على مُواظبة الفرار من شيء في فكري، لا تعريفَ له.
كُنت أعتقد امتصاصَ جِلدي، وإصابته بالبذورِ والفقاعاتِ محض جرعةِ خيال زائدة، نقلها عقلي إلى بدنِي؛ عقابًا على ما أنسجه من عباراتٍ مُحكمةً لوصفِ الأذى، إلا أن ترعكُلي في المنتصفِ، واشتدادِ الصيحاتِ المُفاجئة حولِي أصابني بهلعٍ تامٍ!
المكان يخلوا ممَّن سوايّ، والغابات البعيدة في ظُلماتِ الليل لم أتخذ دونها ملجئًا من دماءِ البشرِ المُندثرة على كُل الأبرياء، لا أستطيع تصوّر قدرتهم على الولوج إلى تلك النقطة النائية!
- لا حيَّاة في فرارِك، السُوء مُقترن بك كظلِّك القاتِل.
- لا حيَّاة في فرارِك، السُوء مُقترن بك كظلِّك القاتِل.
بقيّت أبحث عن مصدرِ الصوتِ، مُتجمدًا في رداءِ الصدمةِ، فرأيتُ مرآة تقف أمام مرأى بصري فجأة..
ضيائها المُرتفِع أبرز لي مظهري الضعيف، المُتحوّل تدريجيًا إلى هيكلةٍ حيوانيّة، لكائن حاول النجاة بما يقدِر؛ فأصيبَ باللعنة، وأصبح من أهلِ القبيلةِ رُغمًا، مُتجردًا من مبادئه التي أتى لأجل الحفاظ عليها.
أطلتُ النظر في المرآة؛ علَّني أنجح في نزعِ الوحشيَّة المُلازمة لي رُغمًا، فإذا بي أنسحب تدريجيًا داخِلها! يبدو
أني نسيّت القاعدة الأهم في ذلكِ المكانِ، التي أملاها عليّ شخص منعتني الحُلكة من رؤية ملامِحه: هُنا، الأمور تمضي في الخفاءِ وحسب، أي انقيادٍ للنورِ يعني اندثار وجودكِ، للأبد.
أني نسيّت القاعدة الأهم في ذلكِ المكانِ، التي أملاها عليّ شخص منعتني الحُلكة من رؤية ملامِحه: هُنا، الأمور تمضي في الخفاءِ وحسب، أي انقيادٍ للنورِ يعني اندثار وجودكِ، للأبد.
ابتسمتُ في صمتٍ، لا أحد أو مصدر يُمكنه إنقاذي، أنا من هرولتُ بإرادتي إلى القاعِ، والاختفاءُ جُرمي الذي أستحِق العقابَ عليه.. إثر قتلِي لمشاعري.
مريَم الديب.