مقال
علم النفس الإيجابي نحو صحة نفسية أفضل
يرجع تاريخ علم النفس الإيجابي إلى أواخر القرن العشرين، حيث تأسس على يد البروفيسور "مارتن سيليجمان"، الذي كان رئيسًا لجمعية علم النفس الأمريكية (APA). كانت له نظرة مختلفة في كيفية التعامل مع الحياة، وهي التركيز على السعادة والامتنان والتفاؤل بدلًا من التركيز على الأمراض والمشكلات.
عندما نتحدث عن علم النفس الإيجابي، فإننا نشير إلى التوجه الذهني الإيجابي، ويعد ذلك مخرجًا للعديد من الأزمات الحياتية. يعلمنا علم النفس الإيجابي النظر إلى المشكلات والأزمات بشكل مختلف، فهو يدعم النظرة الإيجابية للتعامل مع المواقف الحياتية، إذ يركز في جوهره على مشاعر الحب والامتنان. وتشير الأبحاث العلمية في مجال علم النفس الإيجابي إلى شفاء العديد من الأمراض الناتجة عن التفكير، وهي الأمراض النفسجسمية، حيث تؤدي المشاعر السلبية إلى تراكمات داخلية، وهذه التراكمات تتحول مع الوقت إلى أمراض عضوية. تأتي التراكمات السلبية من النظرة التشاؤمية للحياة، ورؤية كل شيء بشكل سلبي، أي التركيز على المشكلات لا على الحلول، وهذا عكس ما يتحدث عنه علم النفس الإيجابي.
توجد علاقة وثيقة بين المشاعر الإيجابية ومدى قوة الإيمان والروحانيات عند الأشخاص. نقصد بالروحانيات التناغم مع الكون والتأمل والامتلاء بمشاعر الحب والدفء والبحث عن المعنى في الأشياء. حيث يفقد الأشخاص النظرة الإيجابية للحياة بسبب فقدان الكثير من معاني الحياة الأخرى. نجد أن مشاعر الحب والامتنان والكرم والنزاهة كلها معانٍ في أصلها تشبع الروح وتملؤها، فعندما تمتلئ الروح، يمتلئ العقل. هذا ما يريد علم النفس الإيجابي أن يأخذنا إليه: النظرة الإيجابية للحياة.
والسؤال هنا: وماذا بعد النظرة التشاؤمية للحياة؟ حقًا، إنه انغلاق أفق التفكير وكثرة الأمراض، وعكس ذلك هو المرونة النفسية والمناعة النفسية، التي تأتي من النظرة المنفتحة على الحياة ورؤية كل شيء من حولنا بعيون الحب. وقد أخذ علم النفس الإيجابي على عاتقه تبني نظريات علاجية للشفاء من الأمراض النفسجسمية والاضطرابات، مثل: العلاج بالحب، العلاج بالضحك، العلاج بالموسيقى، العلاج بالفن، والعلاج بالرسم. كل هذه الأنواع تركز في جوهرها على المعنى، على الإحساس بالامتلاء الروحي، الذي يعد من أهم الوجبات الغذائية للإنسان. نعم، الغذاء الروحي هو ما يمنحنا القدرة على مواجهة صعوبات الحياة، إذ نصل إلى حالة السلام النفسي عندما ننتهج منهج الحب والسلام.
فنصبح نتعامل مع الخوف بالحب، والقلق بالحب، ونصل إلى أقصى المراحل، وهي احتضان الكراهية بالحب. لهذا نجد الكثير من الأشخاص الذين تتغير حياتهم بفعل تبنيهم منهج علم النفس الإيجابي، فيصبح لديهم مناعة نفسية ومرونة في التعامل مع الحياة، إضافةً إلى تدفق الإبداع على كافة المستويات؛ الإبداع على المستوى الشخصي، والعملي، والاجتماعي. كل ذلك لم يكن ليحدث دون فهم جيد وتعايش لمنهج الحب والسلام النفسي. ترتبط العديد من المشاعر السلبية بالشعور بالذنب، والشعور الدائم بارتكاب الأخطاء، سواء في الحقيقة أو الخيال، إذ يقوم العديد من الأشخاص بالانخراط في شعورهم بالذنب تجاه أشياء قد يكونون في أحيان كثيرة بعيدين كل البعد عنها. ينتج ذلك بسبب الفراغ العقلي الناتج عن فقدان المعنى، وعدم الفهم العميق للكثير من معاني الحياة.
لهذا عليك بتبني نظرة إيجابية نحو الحياة، وهذا ما يعلمنا إياه علم النفس الإيجابي تجاه حياتنا اليومية، والبحث والتعمق في جوهر الأشياء، وليس أخذ قشورها فقط، بل عليك الغوص في أعماق الحياة حتى تمتلئ بالسلام والحب، الذي يأتيك بمجرد أن تعلن أنك جاهز لاستقباله.
عمار ياسر
أخصائي نفسي