كوبري الحامول.. مئة عام من الحكايات وسر علاقته ببرج إيفل

ظلت هنالك صفحتان منسيتان الصفحة الاولى فيها اعمال انشاء الكوبري التي كانت ملحمة حقيقية، كتبها اهل القرية بأيديهم. رجال حفاة، جلابيبهم مبللة بالعرق والطين، يعملون بأدوات بدائية بينما الشمس الحارقة تصب لعناتها فوق رؤوسهم. كانوا يعملون بلا كلل. ان الكوبري لم يولد من فراغ، بل من رحم الألم والكد. كل حجر، كل قطعة حديد، كانت تُنقل على أكتاف هؤلاء البسطاء من أهل القرية، كانوا يملكون فقط الإرادة والعزيمة. تحت الأرض، كانت التروس والأنظمة الميكانيكية تُبنى لتكون قلب هذا الكوبري، اما الصفحة الثانية فيها اعمال تشغيل الكوبري دعونا نتحدث فيها عن عمال من اهل القرية يقفون بجانب التروس الضخمة، يديرونها بأيديهم القوية بدقة. لتنخفض الكتلة الخرسانية الثقيلة تدريجيًا نحو الأرض، ويرتفع جسم الكوبري إلى أعلى ببطء. لتفتح الطريق لعبور السفن أسفل الكوبري، ثم يديرونها عكس الاتجاه مرة أخرى لتستأنف القطارات رحلتها. فكان الكوبري يتنفس بجهودهم.
قد لا يُعرف عنهم الكثير، ولكن مهما تغير الزمن، ستبقى قصصهم محفورة في ذاكرة المكان.
هناك شئ مميز في كوبري الحامول (او كوبري القطار او جسر البحر) كما يطلق عليه ابناء القرية يجعله متصل بأرواح الناس فهو صديق قديم مخلص لكل فرد من ابناء القرية شاهد صامت على ايام الفرح و الحزن. لك أن تتخيل مئة عام من الحياة تدور حول الكوبري هذا بالتأكيد ليس مجرد هيكل من الحديد يعبرون فوقه كل يوم، عندما تتأمل سعادة الاطفال بالوقوف عليه اثناء مرور القطار لانه بيهتزر بلطف او سهر الناس عليه في ليالي الصيف او عندما يحكي عنه كبار السن حكايات عندما كان جديدا ومبهرا في عيونهم كأنه اغنية من حديد تعزف عليه عجلات القطار كل يوم ستعرف أنه حكاية و قصة تستحق أن تحكى لانه ببساطة جزء من حياة ناس بسيطة وهذا ما يجعله عظيم.
جسر الحياة للسكة الحديدية والبلدة: صنع الفارق:
يقع الكوبري على خط السكة الحديد الذي يربط القاهرة بطنطا مرورًا بمنوف وشبين الكوم ويُعدّ أحد أقدم الخطوط وأهمها لربط العاصمة بمناطق الوجه البحري. مما أتاح للقرى الصغيرة الانفتاح على المدن، وللمدن الاستفادة من خيرات الريف.عندما بدأ تشغيل هذا الخط كان ذلك إيذانًا بمرحلة جديدة من التطور. لأول مرة، شاهد الناس القطارات تمر بجوار بيوتهم، تحمل معها حركة التجارة والأمل بمستقبل أفضل. وقد أسهم هذا الخط في تعزيز الاقتصاد، وتسهيل حركة الأفراد والبضائع، وخلق فرص عمل جديدة.
كما تفصل ترعة الباجورية بلدة الحامول الى شطرين البر الغربي و البر الشرقي يعتبر كوبري البحر الشريان الذي يوصل بين شطري البلدة من خلاله صار من السهل على سكان البر الشرقي التسلل الى محطة القطار دون فقد لحظة من وقتهم في انتظار القوراب.
دعونا نعرض شريط من بعض الحكايات والذكريات التي تأبى أن تُنسى لبعض أهالي القرية.
عم مصطفى معروف يتذكر ذكريات من طفولته ويقول:(انا حضرت عندما كان يفتح ويغلق وتمر مراكب شراعية تحمل في اكثرها بلاص الفخار وكانت عدة مراكب تجر بعضها البعض الان اشفق علي حاله وما وصل اليه وفي ايام الفيضان تجد نسبة ارتفاع المياة تصل لاارتفاع كبير يتخطي سلالم الجهة الاخري).
أما عم يسري أبوزيد فيصف لنا آلية تشغيل الكوبري قديماً، حيث يقول: (اذهبي اليه وعند الثقاله ستجدي تاريخ انشاؤه والمهندس الذي قام بتصميمه.. الثقاله دي القطعه الكبيره العالية اللي علي جانبي الكوبري.. ودي ميزان الكوبري... وكانت تستخدم أثناء رفعه وغلقه... اسفل هذا الثقل مجموعة تروس كانت تعمل يدوي عن طريق رجال اقوياء... لما الكوبري بيترفع كان هذا الثقل ينخفض...)
عم أحمد ماضي يربط الكوبري بذكريات الطفولة ويقول: (على ماتذكر من انشأ الكوبرى هو اللى انشأ كوبرى ابو العلا أو كوبرى امبابه والكوبرى كان يتم فتحه لأعلى صباحا وليس مساءا قبل الساعه الحاديه عشر صباحا كنا نذهب عنده نتفرج وهو مفتوح وساعتها نكون بنجيب طعميه).
عم فتحي يضيف لمحة تاريخية مهمة ويقول: (الكوبرى تم إنشاؤه ايام الاحتلال الانجليزى لمصر وهو من أقدم الكبارى مثل كوبرى ابو العلا وقام الإنجليز ببنائه لخدمة الاحتلال فى نقل المحاصيل الزراعية وخاصة القطن وتم إنشاء خط السكة الحديد من أجل نقل المحاصيل ويعتبر هذا الكوبرى هو كوبرى فريد من نوعه حيث أنه يفتح بطريقة مختلفة عن كل الكبارى الأخرى حيث أنه يفتح عن طريق انخفاض الكتلة الخرسانية إلى الأرض وجسم الكوبرى يرتفع الى اعلى وذلك عن طريق تروس يتم تدويرها للفتح والغلق ويوجد لوحة أسفل الكوبرى من الحديد مكتوب عليها تاريخ إنشاؤه ومعلومات اخرى)
أما أحمد ابن شوقي اشار إلى ختم على الكوبري من الجهة الغربية قائلا:(ممكن حضرتك تتوجه للكوبري نفسه و هتلاقي شواهد حديدية محفور عليها بعض البيانات زي سنة الصنع و البلد المصنع واسم المهندس القائم على المشروع..هتلاقيها موجوده اسفل الكتلة الخرسانية بجوار التروس الحديدية).
لكن الحكايات لم تتوقف هنا، فها هو يوسف محمد يسترجع ذكرياته الشخصية ويقول:(القعدة هناك حلوة،احنا كشباب من الابتدائي لحد الثانوي كنا بنعتبر المكان ده ترفيهي ولو هنتكلم عن تفاصيله حرفيا تحت الكوبري فيه عالم تاني فيه تروس يدوية كبيرة أوي و مفاتيح وشحم والتروس كلها سليمة).
ومحمد جلال يفتخر قائلا:(اول كوبري فى المنوفية اتعمل عليه مجلس رجالة).
عم سعيد عبد الله يقدم سردًا مليئًا بالتفاصيل التاريخية والواقعية:(بالنسبة لمحطات السكك الحديد والكباري كلها شغل الانجليز أيام الاستعمار الكوبري لو هيفتح هيفتح بس لو فيه مراكب هتعدي طيب لو مفيش مراكب هتعدي هيفتح ليه مالهوش لزوم لغوه بقى على الاقل وفر 4 عمال كانو شغالين عليه،الكوبري ده تاريخ بلدنا الأول الناس اللي اشتغلت تبع الانجليز بالضرب حتى مفيش أكل في الاستعمار بقى واللي كان بيموت كانو بيدفنوه في الردم بتاع البحر،الايدي العامله عمال مصريين الفلاحين بتوع البلد أما التخطيط والفنيين والمهندسين هما الانجليز،بالنسبة للحامول مش الدولة اللي سمتها الحامول لا زمان كان كل حاجه بتيجي بالمركب في الحته دي كان اسمها الحمول كانو بيجو يشتغلو في اي حته تانيه و يعوزو معدات او اي حاجه يقولو روح هات من الحمول اللي هنا بعدين احنا بقى سميناها الحامول كانو يحطو الحمول كلها هنا وياخدوا يوزعو للبلاد فالحامول ترأس التسع بلاد اللي حواليها لذلك أما تبقى في مصر ولا في الجيش حد يسأل أنت منين يابني يقول أنا من الحامول وهو من الكفر أو شبرابلوله أو ميت ربيعه أو من العامرة لأن الحامول رئيسة البلاد اللي حواليها كلها،نرجع تاني للكوبري الكوبري فيه شاسيه ماحدش يعرف يعمله النهارده و عرضه للمشاه كبير ده حتى فيه حارتين للمشاه عرض كل واحده مش أقل من 6 متر بس مقفول قدام الموتوسيكلات والتكاتك المطلوب انه يتعمل ليه فرشه يتجدد لو اتجدد هيفتح و التكاتك تمشي و التريسكلات تمشي عندنا كوبري يعتبر تاريخ المفروض ما يتقفلش،حد النهارده يقدر يعمل اللي الانجليز عملوه في الكوبري؟ ماحدش أنا النهارده أعرف أعمل كوبري زي ده؟ المهندس المصري هيصمم نفس التصميم بس التنفيذ والدقه اللي هو فيها دي والحديد اللي عايش من 100 سنة زي ما هو؟ كل حاجه على قد ما اتحدثت لأحلى وأشيك على قد ماضعفت بتتعمل بمتانه؟ لأ حاجة يومها يعني،شوفي القطر بيعدي من بحر مسافته 100 متر مش عارفين تخلوه يشيل موتوسيكل؟؟)
هذا الكوبري، إذن، ليس مجرد جسر يعبر فوق النهر، بل كان مسرح لذكريات أناس عاشوا حوله، حكاية متجذرة في الأرض التي تحملها.
حرفية الماضي في أرقام:
في قلب كوبري الحامول، وتحديدًا أسفل هيكله الحديدي، توجد لوحة صغيرة قد لا يلاحظها الجميع للوهلة الأولى، لكن هذه اللوحة تحمل بين طياتها تاريخًا وحكاية. أرقامها محفورة بعمق على المعدن، وكأنها تحفظ أسرار هذا الكوبري منذ اللحظة الأولى لبنائه تحمل في طياتها ذكرى المهندسين الذين صمموه، والشركة التي نفذته، وتاريخ بداية الحياة لهذا المعبر العظيم. هي نافذة صغيرة تطل منها على حقبة مضت.
إذا كنت من محبي كوبري الحامول وتعتقد أنه أكثر من مجرد هيكل معدني، فدعنا نعرف رأيك في تعليق هنا
وإذا كان لك ذكريات خاصة مع الكوبري كن أنت أول من ينشر صورة سيلفي لك او صورة مع الاصدقاء على كوبري الحامول في رابطنا وشاركنا لحظاتك هناك، خلونا نعمل ترند “كوبري_الحامول” لنبرز أهميته التاريخية ونرفع صوتنا للمسؤولين للمطالبة بتجديده، لأنه جزء من هويتنا التي يجب الحفاظ عليها ولا يمكن أن تضيع في زحمة الزمن.