حكاية
الأشرار لا يأكلون الجبن القريش.. الفصل السادس
دخل علينا رمضان في مخبز بيومي وقلت صناعة العيش الفينو والفطائر وما إلى ذلك من منتجات، ولكن ظل العمل قائم ولكن تم تخفيف الكمية المعتاده، وعرفت الصواني العامرة بكل ما لذ وطاب طوال شهر رمضان طريقها إلى المخبز، صواني تحملها على رأسها السيدات البدينات ذات الأجساد الرجراجة، وتطلب من بولس أن يقوم بتسويتها، يرحب بهم بولس بحركة مسرحية ويجاري بعضهم بالكلمات وأحيانا بالضحكات، ولا ينسى أن يختلس نظرة إلى الأجساد التي تفيض أنوثة، تمضي النساء على أن تعود بعد ساعة أو ساعتين، ويقوم بولس بتطبيق جملة طباخ السم بيدوقه..
وعند آذان المغرب يكون جمع لنا بولس فطار اليوم من الأشياء التي أخذها من الصواني سواء بشكل شرعي أو غير شرعي، وعندما عنفه خلف على ما يفعله لأن ذلك يعتبر سرقة وهذا ما لا يرضاه على نفسه، وهدده أنه سوف يصعد الأمر ويبلغ صاحب الفرن بما يحدث، نظر له بولس بخبث وقال له أنه على استعاد أن يصطحبه بنفسه إلى صاحب الفرن، ولكن هو أيضا سوف ينقل له أن هناك امرأة تأتي إلى خلف كل يوم في الصباح الباكر قبل كل العاملين، تجهم وجه خلف من وقع الكلام الذي قاله بولس وتبادلوا الأثنين نظرات الكراهية، التزم خلف بعدها الصمت ولم يعنف بولس مرة أخرى أو يبلغ صاحب المخبز..
ولكن شغلني التفكير حول كُنة هذه المرأة ، فأنا رأيت هذه المرأة التي تحدث عنها بولس أكثر من مرة عندما طلب مني صاحب المخبز أن أحضر باكرا حتى أقوم بمساعدة خلف، وفي كل مرة كانت تحضر المرأة كان يطلب مني خلف أن أذهب لكي أقوم بملء كولمن المياه من مكان يبعد عن المخبز مسافة ربع ساعة، شعرت هنا أن خلف يقرطسني، وقررت في داخلي أن أعرف ماذا يفعل خلف مع هذه المرأة عندما يقوم بتوزيعي.
كان محسن صديقي المقرب في المدرسة، نجلس على مقعد واحد ونتقاسم الطعام، وفي الفسحة نلعب سويا، كنت أنا أكثر شقاوة منه وكان عندما يتشابك مع أحد يجري على حتى احميه من بطش الشخص الذي يهرول خلفه، كنت أصد عنه الهجمات وكان يعتبرني اخا كبيرا له رغم أننا في نفس السن، وكل يوم جمعة أذهب إليه في منزله حتى نذاكر ونتناول الغداء معا، وكان والده رجلا من إحدى القرى الريفية ورغم أنه عاش مدة كبيرة في المدينة ولكن مازال يحمل بداخله طباع أهل الريف واستخدام اليد قبل العقل، وكان يشتري لابنه كتب خارجية لكل المواد، لأنها تحتوي على مئات الأسئلة التي تؤهله لخوض أي امتحان..
وهذا لم يكن متوفر لي، فكنت أذهب إليه حتى اذاكر معه أو بالأحرى حتى اشاركه في هذه الكتب، ولكن كان مستواه ضعيف وعندما يعطي لنا والده امتحان حتى نحله أنا وابنه، ويجد إنني جاوبت على كل الأسئلة وأن الإجابات في الغالب الأعم تكون صحيحة بينما إجابات محسن تكون خطأ أو لم يجب على بعض الأسئلة، كان يطلب مني أن أخرج من الغرفة، بينما هو يغلقها عليهم ويبدأ في ضرب ابنه ضربا مبرحا، كان يصرخ ولكن والده كان يضربه بلا هواده أو يمنحه لحظة حتى يدخل في رئته الهواء، وكنت أنا أيضا اتألم خارج الغرفة، أريد أن أدخل لصديقي واقف حائلا بينه وبين والده ولكن يلا طائل، لم تتراخي يد الوالد إلا بعد أن يكون ترك اثرا على جسد ابنه.
في المدرسة وبالتحديد في الصف السادس الابتدائي كانت تعجبني فتاة، كانت جميلة ورؤيتها تسر الناظرين، ذات شعر كستنائي وعينان تُذيب من ينظر إليهما، وكان صوتها كعزف موسيقى منفرد، ووجها مليح كخبز رغيف ساخن، وعرفتها للمرة الأولى قبل سنتين في سنتر الأستاذ "فاروق" الذي كان يدرس لنا كل المواد ما عدا الإنجليزي، بشرته كانت سمراء ويبدو أنه ينحدر من أسرة سودانية، وكان عنيف ويستخدم العصا كثيرا ولا يفرق بين ولدا وبيتا، ولكن كان قلبه أبيض في أحيان أخرى، وشاءت الظرف أن أبدل مكان السكن وبالتالي أنقل إلى مدرسة أخرى في السنة الأخيرة من المرحلة الابتدائية..
وهناك وجدتها وسر قلبي لذلك، فالآن أصبحت احاصر فتاتي، في الصباح أراها في المدرسة وفي المساء يجمعنا سنتر أستاذ فاروق الذي كان مدرسا أيضا في مدرستي الجديدة، ورغم ترك المدرسة القديمة التي زاملت فيها محسن لمدة خمس سنوات لم تنقطع علاقتي به قط.
كانت فتاتي رقيقة كالبسكوته ولكنها لم تكن تلق لي بالا، كنت اطاردها بالنظرات التي تحمل الكثير لها من الحب الصامت، لم اجرؤ أن اصرح لها بحبي الأفلاطوني البرئ الذي يخلو من كل شهوة وقتها، ولكن كطبيعة كل فتاة جميلة يتعلق نظر الجميع بها، كان يشاركني الإعجاب بها صديق آخر، وكان له شقيقة توأم تشارك فتاتي المقعد وهذه تفصيلة كنت أخشاها، لأنها من الممكن أن تكون هذه الفتاة جسرا يعبر عليه شقيقها إلى قلب فتاتي، ولكن هذا الصديق كان ضعيف المستوى بالكاد يحصل على درجات النجاح، بينما كنت أنا أمتاز عنه وأحصل على درجات تشارف على النهائية، وسعدت لذلك وكنت أجلس في شرفة منزلنا كل يوم أذاكر حتى منتصف الليل حتى احافظ على مستوايا واستطيع أن أقرب من فتاتي الجميل، وكانت في السماء نجمة أطلقت عليها اسم حبيبتي وكنت اناجيها كثيرا وتؤنس سهراتي ، ولكن سرعان مع ظهر معجب آخر بها، وكان مستواه التعليمي عالي جدا، انتابتني الريبة وبدأت أبحث عن شيئا آخر أكون متميزًا فيه ويلفت نظر فتاتي لي، وأصبحت أراقبها حتى علمت انها تذهب إلى مكتبة المدرسة في الفسحة وتقرأ..
وهنا اتتني الفكرة التي كنت أبحث عنها، سوف أكتب قصة، صحيح إنني لم أفعل ذلك من قبل ولكن لأجلها سأفعل أي شئ، واحضرت كراسة فارغة وبدأت في كتابة قصة عن بكار الشخصية الكرتونية الذي كان بطل أحد برامج الأطفال الرمضانية، كنت أكتب مدفوعا بحبها ومن أجل التقرب من سواد عيونها، استعنت بصديق لي كان يجيد الرسم وقام برسم شخصيات القصة، وعندما فرغت منها حملتها وقدمتها إلى فتاتي وأنا أطلب منها أن تقرأها وتقول لي رأيها، تناولتها من يدي ومنحتني ابتسامة ومضت، شعرت وقتها أن نبت لي جناحين وأصبحت احلق في السماء فوق كل معجبيها الأوغاد.