جاري تحميل ... الفيتشر

مدونة المعافرين في الأرض

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

حكاية

حكاية «ريري».. سيدتي الجميلة

كتب: إسلام كمال

 

كان مصطفى أمين الصحفي ومؤسس جريدة أخبار اليوم يمقت ظاهرة انتشرت في منتصف القرن العشرين، وهي الفتيات الارستقراطية التي ترتكن إلى ثروة أهاليهم من أصحاب الأملاك، ويتحدثوا بصوت مبحوح وأسلوب فظ متعجرف ويرتدوا أرقى الثياب ويسرحوا أحدث التسريحات ويلبسوا المجوهرات غالية الثمن وما إلى ذلك من مظاهر وفرة المال، وهذا ما كان يغضب مصطفى أمين، لأنه يرى أن كل ذلك من مظاهر السطحية والخواء المعرفي والثقافي، وأن الرقي ليس رقي الملابس وفقط ولكن رقي العقل وثقافة الفرد أهم وأسبق من الملابس والمجوهرات، وأن جمال البنت هو جمال عقلها ويكون من الداخل إلى الخارج لا العكس.

 

حاول مصطفى أمين أن يدلل على صحة فكرته ولكن لم يكتف بعرض رأيه في مقال، وأراد أن يتجاوز حيز الكلمات والورق، وكلف محرر صحفي يعمل معه أن يبحث عن فتاة من طبقة فقيرة ويأتي بها إلى المجلة، نشط المحرر في البحث عن تلك الفتاة في الأزقة والأحياء الشعبية حتى عثر على فتاة تدعي «رقية» تعمل خادمة في المنازل وترتدي الملاية اللف، ركب المحرر والفتاة عربة حنطور وذهبوا إلى المجلة، وعندما دلف بها المحرر إلى غرفة مصطفى أمين ترك ما في يده الأخير وراح يمسح جسد الفتاة بعينيه، للوهلة الأولى ملامحها هادئة وبشرتها بيضاء يشوبها حمرة، جسدها لدن رجراج يفيض أنوثة مخبأه أو مدفونة تحت الملاية اللف، عمرها لا يتجاوز الـ 18 عام، أجلسها مصطفى أمين وعرض عليها أنه سوف يجعلها من سيدات الطبقة الراقية وتأكل أشهى أنواع الطعام وترتدي أرقى الملابس ولم يجد منها إلا الإذعان والقبول.

 

وبدأت رحلة التغيير بتحويل اسم «رقية» إلى «ريري» حتى يكون اسمي موسيقى ولا يخلو من دلع، واصطحبها أمين إلى أفخم محلات الملابس وأشهر كوافير نساء وأرقى محل مجوهرات، وجعل منها فتاة رؤيتها تسر الناظرين وتجمد العابرين في أماكنهم، وعلمها كيف تتحدث وكيف تمشي وتأكل بالشوكة والسكينة وقواعد الاتيكيت وما إلى ذلك، واخبرها أنها من الآن هي «ريري» كريمة اللواء الراحل محمد شريف، والذي بالطبع هو اسم وهمي ولا وجود له، وقدمها في حفل مقام في فيلا الناشطة النسائية هدى شعراوي وخطفت الأنظار، وكأن الحفل مقام على شرفها هي، تعلقت بها كل عيون الحاضرين، الجميع يتقدم منها يعرفها بنفسه، والبعض يدعي أنه كان صديق والدها، وأحاطها الشباب وخطبتها إحدى الحاضرات إلى ابنها!

 

وفي العدد الجديد من المجلة كانت صورة «ريري» في الحفل تزين غلاف المجلة، وفي الصفحات التالية سرد وعرض لقصة ريري أو رقية منذ كانت مجرد فكرة في رأس مصطفى أمين مرورا بإحضار المحرر لها حتى ظهورها في الحفل، وكان العرض مدعم بالصور، صورة لها بالملاية اللف وصورة وهي في الكوافير.. ألخ، وعند نشر المجلة تباينت وتنوعت ردود الأفعال، بنات الطبقة الارستقراطية شنوا حملة ضارية على المجلة ومصطفى أمين الذي أثبت أن من الممكن أن يصنع من فتاة بسيطة جاهلة لا تجيد القراءة والكتابة سيدة مجتمع بمجموعة من المظاهر التي تصنعها الفلوس، وثارت هدى شعراوي عليه أيضا لأنه ادخل فيلاتها هذه الخادمة وجعلها تخالط علية القوم من الشرفاء والأعيان، بينما تعاطف مع الفتاة البعض وأدان مصطفي أمين لأنه خرب عقل الفتاة فكيف بعد كل مظاهر العز اللي عاشتها تعود مرة أخرى للفقر المدقع وتواجه شظف الحياة!

 

حاول مصطفى أمين أن يساعد الفتاة وأرسل إليها المحرر الصحفي مرة أخرى واخبرها أنهم وفروا لها عمل كسكرتيره عند دكتور، ولكنها رفضت العرض وقالت للصحفي أنها لا تريد أن تغير مهنتها كخادمة ولا تحب عالمهم المزيف الذي لا يخلو من تزلف ورياء، عالمها هي صادق، بينما عالمهم هم مخادع وكاذب، جميعهم لو كانوا رأوها بالملاية اللف لكانوا رفضوها ولم يلتفتوا لها، وأن كل مظاهر الاحترام والتقدير والتقرب والتودد التي رأتهم في الحفل هي في الحقيقة احترام لا لشخصها ولكن للثياب باهظة الثمن والحذاء المصنوع من أغلى الجلود والمجوهرات التي تزين صدرها ومعصمها، وختمت كلامها بأن لهم عالمهم ولها عالمها.فأُعجب المحرر بها وتزوجها.

 

 

الوسوم:

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *