جاري تحميل ... الفيتشر

مدونة المعافرين في الأرض

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

صناع المحتوى

السرقات الأدبية.. مَرَضٌ مُزمنٌ ينخر في جَسَدِ الثقافة المصرية



الجيار: تهدد الاستقرار الإبداعي.. ويجب دعم المواهب الحقيقية

علّام: أحيانًا تحدث المُغالاة للاتهام بالسرقة الأدبية

الوكيل:الأمية التكنولوجية وتراجع النقد العلمي أنتجا سيولة ثقافية مهترئة

(كيف نترك اللحم مكشوفًا ونلوم القط إذا أكله؟)

د. عزة: المكتبة الرقمية وتدريب الأساتذة والطلاب يوقف السرقة

العجوز: القانون كفل حماية «تعويضية»للمبدع وفقًا لتقدير القاضي

 

تحقيق: جهاد طه رزق

«السرقات الأدبية». إذا كنتَ مهتمًا بالحالة الثقافية في مصر، فقد استمعت هذا اللفظ من قبل، أو صادفته ذات مرة؛فهو أشبه بمرض مزمن،ينخرفي جسد الثقافة المصرية منذ بواكيرها، ويتداول المتخصصون دراسته وفحصه باستمرار، في محاولة لإيجاد حلول ناجعة ترتقي بالمشهد الثقافي،وتقلّل الآثار الجانبية.

فمنذ تسعينيات القرن الماضي والسرقات الأدبية تلاحق رواد الثقافة في مصر،مثلما اتّهم الشاعرُ عبدالرحمن شكري صديقَه إبراهيم المازني بترجمته الشعر والمقالات من «الإنجليزية» ونسْبها إلى نفسه.كذلك اتّهامُ الأديبِ توفيق الحكيم باقتباس أوّل نصّ مسرحي قدّمه في بداياته، يحمل اسم «العريس»،من عملٍ فرنسي مشابه اسمه «مفاجأة أتور»، وفقًا للصحفي عاصم زكريا في مجلة «المصور» آنذاك.

واليوم، أطل اللفظ على المشهد الثقافي بمصر من جديد، بعد اتّهام شعراء وكتابٍ وأدباء بالسرقات الأدبية؛ أبرزهم الروائي طارق إمام، الذي رُشحت روايته «ماكيت القاهرة» لجائزة البوكر، والكاتبة نورا ناجي، صاحبة المجموعة القصصية «مثل الأفلام الساذجة» الأكثر مبيعًا بمعرض الكتاب عام 2022 ونالت استحسان كثير من القراء والنقاد.

 

دور الباحث

في البداية، يقول شريف الجيار، أستاذ الأدب المقارن بجامعة بني سويف، إنّ السرقات الأدبية أو العلمية تمثّل ظاهرة عبر العصور المختلفة وليست أمرًا مستحدثًا، وعلى الباحث والناقد إذا وجد حادثة منها أن يقارن بين النصين الأصلي والمسروق، وإذا ثبتت السرقة الأدبية يجب عليه كتابة تقرير علميّ يوضح فيه التفاصيل، والمصدر الأصلي المسروق منه؛ حتى لا تتداول هذه المعلومات بشكل خاطئ فيما بعد.

 شريف الجيار، أستاذ الأدب المقارن بجامعة بني سويف

ويشدد «الجيار»، في حديثه مع «الفيتشر»، أنّ هذه السرقات تهدد الاستقرار الإبداعي في مصر؛ لذلك يجب التصدي لها.

ويفرّق أستاذ الأدب المقارن بين التناصّ والسرقة، لأنّه عادة ما يحدث خلط بينهما؛ فالتناص ظاهرة فنية تُوظّف في المتن، وتفيده بتداخل النصوص في بعضها البعض بشكل علني، كما تعتبر من أشكال المقارنة.

ويوضّح «الجيار»: «إذا تأثّر كاتبٌ بالنص القرآني، هل هذه تعتبر سرقة؟ بالطبع لا. وعندنا مثال تناص أحمد شوقي مع البحتري، وغيره من الأمثلة التي لا تمثل سرقة؛ وإنما المصطلح الدقيق لها هو التناص».

ويرى أنه «يجب الوقوف مع العمل الصادق، ودعم أصحاب المواهب الحقيقية، وألا نعطي أنصاف المواهب أهمية، وينبغي اعتماد المشهد الثقافي في مصر على أسماء حقيقية في الأدب والنقد بشكل عام».


المكتبة الرقمية هي الحل

وتقول الدكتورة عزة عبداللطيف، أستاذة الأدب والنقد الحديث بجامعة بني سويف، إنّها تواجه هذه السرقة العملية بأكثر من طريقة؛ فإذا كانت مشرفة تنبّه الباحث، وإذا كانت مناقِشة للرسالة قد تعتذر عنها، أو توضّح أنّ فيها سرقة وتأخذ الإجراءات القانونية، «وقبل ذلك كله، يجب تنبيه الباحث حتى لا يقع في الفخ».

 الدكتورة عزة عبداللطيف، أستاذة الأدب والنقد الحديث بجامعة بني سويف

وتوضح، في حديثها مع «الفيتشر»، أنّ حوادث السرقة العلمية أصبحت سهلة جدًا بسبب وجود الإنترنت؛ ولذا يجب مواجهتها بتدريب الطلاب في مرحلة التعليم الجامعي على البحث والاستقصاء، والتوثيق الجيد للمعلومات حال اقتباسها، إضافة إلى توجيه الباحثين باستمرار.

وترى أستاذة الأدب والنقد الحديث أنّ الحل في إيقاف السرقات الأدبية للباحثين الأكاديميين بتفعيل المكتبة الرقمية لتكتشفها، ومعرفة نسبة الاقتباس، وتدريب أساتذة الجامعات على ذلك.

 

لماذا كثرت في السنوات الأخيرة؟

يوضّح الناقدُ والروائيُ والقاصُّ سيد الوكيل، أنّ «النقد العلمي ظلّ طيلة القرن العشرين صاحب القرار الوحيد في الحكم على العمل الأدبي وتحديد قيمته، لكنه تراجع مؤخرًا بشكل ملحوظ،ثمّ توافق هذا مع نهاية البنيوية وظهور التفكيكية؛ فترك فراغًا أفضى إلى حالة من الاهتراء النقدي».

 الناقدُ والروائيُ والقاصُّ سيد الوكيل

ويضيف «الوكيل»، فيحديثه مع «الفيتشر»، أنّ «كُلّ راغبٍ يستطيع أن ينصّب نفسه ناقدًا بسهولة على شبكة الإنترنت في هذه الأيام، ويقول فيها ما يريد، ويصدقه كثيرون».

ويرى أنّ «نظرية القارئ والاستجابة أعطت الحق للقارئ فيالحكم على قيمة العمل؛ فأفضى هذا إلى حالة من السيولة الثقافية، أكدتها سياسات العولمة، ودعمتها التكنولوجيا، ومن ثم فالسيولة الثقافية ظاهرة عالمية؛ لكنها في المشهد العربي أكثر اهتراءً نتيجة لتهافت الثقافة الأدبية، وتاريخها المحدود».

تفاعلٌ ضروري

ويروي «الوكيل» واقعة حدثت معه شخصيًا قائلًا: «اتصلتْ بي جريدة عربية في فرنسا لتخبرني أن فتاة مصرية قدّمت لهم مقالا نقديًا موقّعًا باسمها، وبالبحث على جوجل اكتشفوا أنّه منشور من قبل باسمي، وكلما فعلته الفتاة أنها استخدمت خاصية (copy& past) المتاحة على الإنترنت، ونستخدمها جميعًا.ولولا إمكانات الجريدة البحثية ما علمتُ بالأمر، وهذا يعني أنّ الأمية التكنولوجية ساعدت في انتشار السرقات الأدبية؛ولذا رفضتُّ اقتراح الجريدة برفع قضية على الفتاة، التي أعرف أنّها احترفت السرقة الأدبية من آخرين؛ لكني سألتُ نفسي: كيف نترك اللحم مكشوفًا ونلوم القط إذا أكله؟».

ويضيف: «منذ أيام قليلة، اتّهم شخصٌ الروائيَّ المصريَّ طارق إمام بالسرقة الأدبية من الروائي الكولومبي غابرييل ماركيز،ولم يقدّم دليلًا واحدًا على ادّعائه؛ فقط أصبح «نجم التريند» بتفاعل المصدقين له والمكذبين».

ويقول «الوكيل» إنّ هناك فارقًا بين السرقة والتأثّر والاقتباس، والأدب بطبيعتهخطابٌ تفاعليّ، يخضع للتأثير والتأثر، والحقيقة أنّ الواقعية السحرية عند ماركيز أغرت كثيرين من الأدباء العرب، وليس طارق إمام وحده، فتأثروا بها؛وأعتبرهذا نوعًا من التفاعلية الضرورية الخطاب الأدبي، فحتى ماركيز نفسه تأثر برواية «الجميلات النائمات» لكاوباتا فكتب «غانياتي الحزينات»، وما فعله إعادة إنتاج؛ بمعنى أنه قدّم رواية مستلهمة،بتناول من وجهة نظر مختلفة، ولم يعد أحدٌ من نقاد العالم الكبار أنّ هذه سرقة؛ وهذا هو التفاعل الذي أقصده».

حرفية وعبقرية

ويردف «الوكيل»: «تتأكد هذه الظاهرة مع الرواية الرقمية، فنطلق عليها التفاعلية، لأن وحداتها السردية تتواصل مع فضاء معلوماتي عبر تقنية الارتباط التشعبي، ولأن هذه المعلومات تخص آخرين، اعتبرناها نوعا من التفاعل».

ويضيف: «هناك أيضا المعارضة السردية، كتلك المعارضات التي نجدها في الشعر العربي وأشهرها معارضة أحمد شوقي للبوصيري في بردته، وهي تختلف قليلا عن إعادة الإنتاج  التي أصبحت ظاهرة دالة على حالة من السيولة الثقافية كما يسميها زيجموند باومان، لدرجة أن بعض الروائيين، يقدمون أعمالا هي إعادة إنتاج لأفلام أمريكية عن الزومبي والخوارق، وأفلام الرعب، ولكنها تحظى بإقبال قرائي واسع بين الشباب».

ويتابع: «حتى الروايات التاريخية إعادةُ إنتاج لروايات مركزية في التاريخ الأدبي.وفيالسنوات الأخيرة كُتبت عشرات الروايات عن تاريخ الأندلس والمورسكيين. وفيهذا السياق، أعتبر رواية رضوى عاشور (ثلاثية غرناطة) معارضة لرواية (فتح الأندلس) عند جورجي زيدان».

ويكمل: «الفارق بين إعادة الإنتاج والمعارضة دقيق جدا، ويعتمد على حرفية الكاتب ومهارته ووجهة نظرة، وهو ما فعله ماركيز ورضوى عاشور، بل وإليف شافاك في روايتها «قواعد العشق الأربعون»، التيأعتبرها معارضة لرائعة أيفوإندريتش«جسر على نهر درينا»؛ولكني أراها معارضة ساذجة ومفضوحة ومؤدلجة لا ترقى إلى مستوى ماركيز أو رضوى عاشور».

ويرى «الوكيل»: أننا «في حاجة إلى جهد نظري وعلمي لتعريف السرقات الأدبية، فليس كل تشابه يعتبر سرقة؛فمُنظرّو الحداثة أكدوا لنا أنّ كل موضوعات الأدب عبر التاريخ لا تتجاوز 30 ثيمة نعيد إنتاجها من زوايا نظر مختلفة».

مضيفًا:هل يصدقني أحد لو قلت إن «قلب الليل» لنجيب محفوظ العظيم هي إعادة إنتاج شديد البلاغة والتكثيف والعمق لـ «أولاد حارتنا»، بمعنى أنّ للكاتب الحق في إعادة إنتاج أعماله ما دام يقدمها من زوايا نظر جديدة ومختلفة، بغض النظر عن أنّ الأديب الراحل فعل هذا من باب رد الاعتبار بعد أن صودرت «أولاد حارتنا»، لكن لم يجرؤ أحد على القول إن «قلب الليل» رواية تنتهك حرمة الدين، وهذه حرفية «محفوظ» وعبقريته.

ويقول «الوكيل»: إنّ التفاعل بين النصوص الأدبية موجود بالضرورة، لكنه رهن بمهارة كل كاتب وحساسيته، واتساع معارفه وثقافته، أما السرقة فهي مجرد محاكاة وتقليد مكشوف، أو «كوبي وبست» على نحو وقح وفاضح كالذي فعلته الفتاة المصرية. كما إنّ تشابه أفكار أو تعبيرات لا تعد فينظري سرقة، إنه جزء من طبيعة الخلق؛ فالبشر يتشابهون في ملامحهم  بل وأسمائهم، بالأمس بحثت في قائمة الأصدقاء عن اسم يتشابه معي، فوجدت عشرين صديقا اسمهم سيد الوكيل».


 قبل الاتهام بالسرقة

ويقول الناقد والقاص محمد علام إنّه قبل الحكم على أيّ عمل أدبيّ بأنّه مسروق، يجب اتباع خطوات عديدة، إضافة إلى المقارنات العلمية، والخطوات والقياسات؛ لأنه «أحيانًا تحدث بعض المغالاة حتى يتم الإقرار بالسرقة».

 الناقد والقاص محمد علام

ويضيف «علام»، في حديثه مع «الفيتشر»، أنّ هناك خلطًا بين «الاقتباس والتأثّر» والسرقة؛ فالسرقة هي نَسَبُ مجهودِ شخصٍ لشخصٍ آخر، وهنا يحدث اختلاف بين النُقّاد لتحديد عناصرها، ولكن إذا تبين لنا أنّ العمل مأخوذ من آخر، دون الإشارة إليه؛ فهنا لا بد أنّ نقف ونواجه هذه الجريمة بكتابة مقال نقديّ نوضح فيه حالة السرقة، ونتجه به إلى الجهة المسؤولة؛ لإيقاف هذه الجريمة الأدبية.

 

الحماية القانونية للمبدعين

ويؤكد المحامي والروائي شريف العجوز أنّ في مصر مظلة توفّر للمؤلف حماية قانونية كاملة، بداية بالقانون رقم132 لسنة 1949، ثم حدّث المشرع المصري نظرته نحو مفهوم المؤلف والمخترع، وزادت معه مظلة الحماية في القانون 354 لسنة 1954، ثم جاء القانون رقم 82 لسنة 2003 ليمثّل ثورة كبيرة في حماية الملكية الفكرية، واتّسع ليشمل المبدع في كل المجالات؛ سواء أكان كاتبًا أو مخترعًا أو مصممًا...إلخ.

المحامي والروائي شريف العجوز

ويوضح «العجوز»، في حديثه مع «الفيتشر»، أنّ حقّ الشكوى في المرتبة الأولى للمؤلف، يليه الورثة؛ لأن الإبداع بحسب وصف القانون هو إرثٌ يحق لهم والانتفاع منه، يليهم من تؤول له حقوق التمتع مثل المنتج أو الموزع أو الناشر.

ويضيف: بناء على ذلك، يصبح الإبداع من التراث بعد وفاة المبدع، وإن كان بعد مرور 50 عامًا على وفاته فتؤول مظلة الملكيةوحمايتها بأشكالها كافة إلى الدولة؛ ومن هذا المنطلق كفل المشرع في قانون حماية الملكية الفكرية نوعين من الحماية: الأول «جنائي»، يكون بالغرامة فقط، وفى حالات أخرى بالغرامة والحبس لمن يتعدى على حقوق الملكية الفكرية.

والنوع الثاني «حماية مدنية»، أو بالوصف الدقيق«تعويضية»؛ بإعطاء الحق للمبدع بسبب التعدي على ملكيته الفكرية في مصنفه، والتعويض في هذه الحالة لا سقف له ويخضع لسلطة القاضي وتقديره.

ويختتم: «يسعي النقاد و المسؤولون إلى تطبيق القانون والوقوف ضد هذه السرقات الأدبية، التي تمثل خطرًا إذا انتشرت؛ ولكن لابد أن ندعم أصحاب المواهب الحقيقة، ونجعلهم الرموز التي تمثل مصر، فهناك عديد من المبدعين يحتاجون إلى الدعم».

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الوسوم:

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *