جاري تحميل ... الفيتشر

مدونة المعافرين في الأرض

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

المعافرون

مُعذب في الأرض.. «رشدي» شيف مشويات رحلته كلها كفاح: «بحلم بمشروع»

أحمد رشدي.. شيف مشويات

أحمد رشدي.. شيف مشويات 

كتب: إسلام كمال

 

قبل سنين طويلة كتب عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين كتابه الرائع «المعذبون في الأرض» وقال في إهداء الكتاب: «إلي الذين يؤرقهم الشوق إلي العدل وإلي الذين يؤرقهم الخوف من العدل، وإلي الذين يجدون ما لا ينفقون والذين لا يجدون ما ينفقون» وحينها منع الكتاب من النشر وضُيق على مؤلفه، لأن الكتاب كان يضم مجموعة قصص قصيرة عن المعذبين والفقراء وملح الأرض، قصص تترك في النفس تأثير وتطرح العديد من التساؤلات، وهذا ما لم يطقه الملك في عصر الملكية، لأن القصص تحمل إدانة له وتشير إلى أن المجتمع المصري ليس أنصار الملك وحاشيته وفقط، ولكن هناك أناس يعيشون في فقر مدقع وبؤس مقيم، ورغم كل ذلك لا يقفوا مكتوفي الأيادي، ولكنهم سعوا، وليس للإنسان إلا ما سعي، في وقت أصبح فيه الطبيعي والعادي استثناء.

 

وبعد عقود طويلة من إصدار هذا الكتاب، نجد أنفسنا اليوم أمام مُعذب أخر على أرض المحروسة يحاول بشتى الطرق أن يوفر حياة كريمة لأسرته، مهما تطلب منه ذلك أن يقوم بمجهود بدني وذهني لا يستطيع أن يتحمله الكثيرون، والحديث هنا عن أحمد رشدي.. من مواليد المنيا وبالتحديد كفر المنصورة، حصل على معهد فني، من أسرة متوسطة الحال، منذ صغره وهو يعمل، تدرج في أكثر من عمل، منها حمل الأسمنت والرمل على كتفه والصعود بيهما إلى الأدوار العليا في البنايات تحت الإنشاء، ولكنه عمل مرهق وشاق وكان سببا في إصابته بالغضروف، فتركه بلا رجعة، عمل أيضا في مجال الكهرباء لفترة، وسافر إلى الأردن لعدة سنوات، ووقف في مول تجاري هناك، وكان يحيا حياة مقبولة نسبيا وظن أن الحياة بدأت تصالحه عليها، ولكن «الكفيل» كان شخص سادي ومتسلط، يريد أن يحصل على المزيد من المال دائما ويأمر ويتحكم في العباد، ومن يأبى ويرفض هذا الوضع المهين والمبعثر للكرامة يكون فعل ما لا يحمد عقباه.

 

اقرأ أيضًا: عش بالكفاح.. «نور » عامل مخزن يتحصل على 94% بالثانوية العامة: «حلمي كلية الطب العسكري»

 

استغلال كفيل

 

رفض «رشدي» الإهانة والاستغلال، لأنه لا يريد أن يعمل لتحقيق أحلام الآخرون، تصدى لهيمنة «الكفيل» فما كان من الأخير إلا أنه كان سببا في تعكير صفو الصعيدي ابن المنيا، فسرح صاحب المول «رشدي» بإيعاز من الكفيل، وأصبح يطارده في كل الأماكن التي بحث فيها عن عمل، أغلقت كل الطرق في وجهه، وفي الأخير أختار أن يعود إلى مصر.

 

عودة إلى المحروسة

 

بعد أن عاد إلى مصر قرر أن يتعلم صنعة، عمل في المطاعم وبذل ما في وسعه حتى يكون صاحب صنعة، غسل الأواني ولمع الأرضيات، ولكنه منذ أن دلف إلى المطبخ وعينه على مهنة  «شيف» اجتهد وكافح، كان ينهي عمله سريعا ويهرول ناحية الشيف، يقف بجانبه ويفتح عينه وعقله حتى يتشرب المهنة، ويتعلم بشكل صحيح، وهي نصيحة أسداها له رجل صاحب خبرة قبل سنوات ومفادها «تعلم صنعة.. حتى لا تصبح مجرد مرمطون» ولأنه ذاق مرارة أن يكون عامل باليومية تشبث بحلم أن يكون صنايعي وبالتحديد «شيف».

 

سيدة المخبز.. «المعلمة فتحية» تتحدى التقاليد وترث مهنة زوجها: «رحلة 20 سنة صبر وكفاح«

 

شيف مشويات

 

الآن يترفل «رشدي» في عامه الـ 38.. يعمل في أحد المطاعم الشهيرة وصار شيف مشويات، تزوج وأصبح أب لطفلة جميلة، زوجته صابرة وداعمة له، هي عصاه التي يتوكأ عليها، بالكاد يكفيه راتبه، لأن مصاريف الحياة كثيرة، ولكنه راض ويردد دائما في داخله أن القرش الحلال أفضل من الكثير من الأموال الحرام، لأنه من البداية اختار الطريق الأصعب، طريق الكفاح والمثابرة والسعي الحثيث وراء لقمة العيش، رفض أن يمد يده لأحد أو يسلك طريق غير قانوني، رغم أنها كانت خيارات متاحة دائما.

 

يرى «رشدي» أن عمله يحتاج إلى ثلاث أشياء وهم «السرعة، الضمير، التركيز لأن عمل المطاعم في الأساس يعتمد على السرعة، لأن الوجبات التي يقدموها من اسمها «وجبات سريعة» لذلك لا مكان للبطء في هذه المهنة، والحركة بركة وسبيل للترقي وإثبات الكفاءة، إضافة إلى التركيز، سرعة بدون تركيز هي والعدم سواء، يجب أن يكون ذهنه حاضر ويقظ حتى لا يرتكب الكثير من الغلطات التي تكون سبيله إلى الجزاءات والخصومات، وأخر شيء يحتاجه هو الضمير، يجب أن يتقن ما يفعله ولا يبخل على عمله بشئ حتى يضمن أن راتبه هو نتاج عمل ومجهود حقيقي لا رائف، ويحلم أن يكون يوما ما صاحب مشروع خاص، وبالتحديد صاحب مطعم، ويحول موهبته في صناعة المأكولات إلى مصدر دخله، حتى يكون مرتاح البال ولا تؤرقه فكرة ترك عمله الحالي في أي وقت، والبحث مجددا على مكان آخر يعمل فيه، في وقت لا تكون الصحة أو السن يسمحوا بذلك، وكأنه يدرك جيدًا مقولة الكاتب الشهير فرناندو بيسوا في كتابه  «اللاطمأنينة»: «لكني  لا أدري ما إذا كانت المعاناة هي القاعدة العامة، أم أنها مرادف للوجود البشري؟».

 

 

 

الوسوم:

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *