نجوم
مجدي يعقوب مُنقذ القلوب
كتبت: نشوى سالم
البروفيسور سير مجدي يعقوب، منقذ القلوب، وُلِد في 16 نوفمبر عام 1935م في مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية بجمهورية مصر العربية. وهو الابن الثالث لجراح القلب حبيب يعقوب. تخرج السير مجدي يعقوب من كلية الطب، جامعة القاهرة، عام 1957م، وعمل في كبرى مستشفيات لندن وكاليفورنيا حتى وصل إلى مستشفى هيرفيلد الهادئة في إنجلترا، حيث عمل بها أخصائيًا في جراحات القلب والرئتين، وكانت تلك نقطة فاصلة في حياته. بعد التقاعد، تفرغ الدكتور مجدي يعقوب للعمل الخيري في منظمة "سلاسل الأمل"، كما قام بتأسيس "مؤسسة مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب".
أشخاص مهمون في حياة الدكتور مجدي يعقوب:
العمة يوجين: عندما كان مجدي يعقوب طفلًا في الخامسة من عمره، توفيت عمته يوجين، التي كانت تبلغ 22 عامًا فقط، بسبب مرض في القلب. نتيجة لهذه المأساة، قرر الطفل مجدي يعقوب التخصص في جراحة القلب.
الأب الجراح حبيب يعقوب: عمل والده جراحًا، وكان دائم التنقل بين معظم محافظات مصر، مما تسبب في انتقال الأسرة المستمر، وهو ما أثر على شخصية مجدي يعقوب، حيث وصف هذه الفترة في مذكراته بـ"العهد الغجري". في عام 1942م، أثناء الحرب العالمية الثانية، قصف الألمان مصنع قطن قريبًا من منزل العائلة، فهبّ الأب لمعالجة المصابين واستمر في عمله عدة أيام، وكان لهذا الموقف أثر بالغ في نفس الطفل مجدي يعقوب، ما زاد من حبه للطب وانبهاره بهذه المهنة.
بعد تخرج مجدي يعقوب في كلية الطب، أراد السفر إلى أوروبا، لكن والده رفض خوفًا من بعده عنه. وفي سنة 1959م، عانى الأب من أزمة قلبية نتيجة مضاعفات مرض السكري، ووقف مجدي يعقوب عاجزًا أمامها لعدم امتلاكه الخبرة أو الأدوات اللازمة لإنقاذ والده، الذي توفي أمام عينيه. زاد هذا الموقف من إصراره على السفر لاكتساب الخبرة ليصبح أحد أهم جراحي القلب في العالم.
الأخ والصديق جيمي حبيب يعقوب: بسبب تنقل الأسرة المستمر، لم يستطع مجدي يعقوب تكوين صداقات دائمة، لكن شقيقه جيمي، الذي يكبره بعام ونصف، كان رفيقه الدائم طوال طفولته وحتى التحاقهما معًا بكلية طب القاهرة عام 1951م. ظل مرافقًا له في الحياة حتى وفاته في تسعينيات القرن الماضي، ما ترك أثرًا عميقًا في قلب مجدي يعقوب.
البروفيسور الروسي جليب فون أنريب (Gleb Von Anrep): عالم جليل اكتشف "أثر أنريب" (Anrep Effect)، الذي يفسر آلية زيادة نبضات القلب عند ارتفاع ضغط الدم في الشرايين. تعلم منه مجدي يعقوب أهمية التجريب والمحاولة للوصول إلى النظريات العلمية الصحيحة.
البروفيسور علي حسن: عمل أستاذًا في الكيمياء الحيوية، ودرس الأنماط الغذائية للأطفال في القرى المصرية لفهم وتحليل أسباب ضعفهم. تعلم منه مجدي يعقوب أن الطب يجب أن يخدم الناس، خصوصًا الفئات الفقيرة.
السير راسل بروك (Russell Claude Brock): أحد أهم جراحي القلب في العالم، قرر مجدي يعقوب التتلمذ على يديه في لندن عام 1964م في مستشفى Brompton. كان بروك شديد الصرامة والانتقاد، وتعلم منه مجدي يعقوب أن الجراحة حالة ذهنية تتطلب أعصابًا فولاذية، كما تعلم كيفية تحليل العمليات الجراحية مسبقًا وتوقع المضاعفات. دعم بروك تلميذه النجيب ليحلّ محله، لكن لم يحالفه الحظ في ذلك. وبعد تقاعد بروك، ترأس شركة تأمين صحي، وقدم تبرعات لدعم أبحاث مجدي يعقوب، ما كان له أثر كبير عليه.
الجوائز والأوسمة التي حصل عليها الدكتور مجدي يعقوب:
- وسام قلادة النيل العظمى (2011م)، وهو أرفع وسام تقدمه جمهورية مصر العربية.
- وسام الاستحقاق (Merit of Order) (2014م)، وهو أعلى وسام بريطاني، منحه إياه الملكة إليزابيث تقديرًا لخدمته في مجال العمل الإنساني ومكافحة أمراض القلب.
- وسام الفارس ولقب "سير"، منحه له ملكة بريطانيا عام 1991م لإنقاذه آلاف المرضى في مجال جراحة القلب.
- زمالة الجمعية الملكية (1999م).
- جائزة الإنجاز المتميز مدى الحياة من وزير الدولة للصحة (1999م).
أهم إنجازات البروفيسور السير مجدي يعقوب:
- قام بأول عملية نقل وزراعة قلب لمريض يدعى دريك موريس عام 1980م، والذي عاش بعدها 25 عامًا، وانتشر نجاح العملية في أوروبا والشرق الأوسط.
- دخل موسوعة جينيس كأشهر علامة طبية في العالم بعد إجرائه 100 عملية قلب في عام واحد (1980م)، وإنقاذ حياة جميع المرضى.
- حوّل مستشفى هيرفيلد إلى واحدة من أهم المستشفيات لزراعة الأعضاء، ورفع معدل النجاة من عمليات زراعة القلب إلى 90%، مما ساعدها على الحصول على تمويل حكومي بقيمة 10 ملايين جنيه إسترليني عام 1988م.
- نشر أكثر من 1000 ورقة بحثية في مجال طب القلب، آخرها في مجلة Nature Reviews Cardiology عن آثار عدوى SARS-CoV-2 على الرئتين.
- أجرى أول عملية دومينو (Domino Heart Transplant)، حيث تم نقل رئة وقلب من شخص ميت إكلينيكيًا إلى مريض، ثم زُرع قلب المريض الثاني في مريض ثالث، واستُبدل الشريان الأورطي من المريض الثالث لمريض رابع.
- عمل مستشارًا في شركة United Therapeutics لتطوير طباعة الرئة ثلاثية الأبعاد باستخدام الخلايا الجذعية، ومن المتوقع اختبار هذه التقنية على البشر عام 2025م.
مجدي يعقوب و"سلاسل الأمل":
في عام 1995م، استلم مجدي يعقوب دعوة من البروفيسور آلان ديلوشي لافتتاح فرع لجمعية "سلاسل الأمل" في بريطانيا. أظهر نشاطًا غير عادي في جمع التبرعات، مما ساعد المنظمة على تأسيس وحدات طبية مستدامة في الدول النامية مثل جامايكا، مابوتو، رواندا، وأسوان. وفي سنة 2001م، تقاعد عن العمل الطبي، وكرّس وقته بالكامل لهذه الجهود، كما تم تعيينه سفيرًا لهيئة الصحة الوطنية (NHS).
عودة مجدي يعقوب إلى الوطن – "مؤسسة مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب":
حلم مجدي يعقوب بإنشاء مركز للقلب في أسوان، فأسس "مؤسسة مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب" بالتعاون مع الدكتور أحمد زويل والسفير محمد شاكر. تعتمد المؤسسة على التبرعات، وتدير مركز أسوان للقلب، الذي يستقبل أكثر من 40 ألف مريض خارجي، ويجري 1000 عملية قلب مفتوح معقدة سنويًا، ما يجعله أكبر مركز قلب في المنطقة.
حاليًا، يتم تجهيز "مركز مجدي يعقوب في القاهرة"، والذي من المخطط أن يكون أكبر بخمس مرات من مركز أسوان، ليخدم مصر وقارة إفريقيا. تسعى المؤسسة إلى تقديم علاج مجاني عالي الجودة للفئات المحرومة، وتوفير برامج تدريب متقدمة للعاملين في المجال الطبي، مع التركيز على البحث العلمي والتطوير.
يأمل مركز أسوان في إنقاذ المزيد من الأرواح وإجراء أبحاث تخدم الأجيال القادمة.