جاري تحميل ... الفيتشر

مدونة المعافرين في الأرض

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

حكاية

الشيخ الشعراوي وعدوية.. تاريخ أزمة المثقفين مع إمام الدعاة


كتب: إسلام كمال 

في السنوات الأخيرة أصبحت ظاهرة مهاجمة أفكار الشيخ الشعراوي أمر متجدد، كل فترة يكون الشعراوي "تريند" ما بين معارض ومدين لأفكار الشيخ ومؤيد ومصدق على أفكاره، وأيا كان الجانب الذي ينتمي إليه القارئ، فهذه ظاهرة صحية ومقبولة إذا لم تتجاوز الحد الفاصل بين الموضوعية والتزييف أو بين التطاول والإرهاب الفكري، ولكن هذا الكلام يبدو حالم لأن مكانة الشيخ الشعراوي تصل لدي البعض إلى التقديس، ولما لا فهو أشهر داعية إسلامي في القرن العشرين، ولذلك فكرة الاقتراب من شخصية الشيخ أو تناول أفكاره هو أمر محفوف بالمخاطر، وبالتحديد لدي الأشخاص أصحاب الشهرة والشخصيات العامة، لأن التصريح أو التلميح برأي شخصي ربما يسبب بالغ الضرر إلى صاحبه، خاصة في عصر السوشيال ميديا.

ولكن هذه الظاهرة ليست جديدة، ولها جذور واقيمت على شرفها معارك تاريخية، كانت على صفحات الصحف والكتب، أذكر إنني عندما كنت طفلا كنت أشاهد أحاديث الشيخ الشعراوي كل يوم جمعة على القناة الأولى بعد الصلاة، وكنت أرى صور الشيخ تزين واجهات المحلات وزجاج الميكروباصات، وبالطبع شاهدت مسلسل "إمام الدعاة" الذي تناول سيرة الشيخ الشعراوي، لم اقرأ له شيئا من كتبه الكثيرة التي تفيض أرفف المكتبات بها وقتها، وأظن وبعض الظن ليس إثم أن الكثير من المؤيدين أو حتى المعارضين لم يقرأوا أعمال الرجل قراءة موضوعية وتحليلية، ثم الخروج بالرأي أو التصور الخاص، علمت فيما بعد أن الشيخ الشعراوي لم يكتب كتابا واحدا، وأن هذه الكتب جمعها المحبين للشيخ من خلال تفريغ لقاءاته المصورة والمسجلة، لأن الكلمة المدونة تضمن الخلود، وكان من الصعوبة بمكان الحصول على كل هذه الفيديوهات قبل النت واليوتيوب، الذي أتاح كل شيئ الآن، وأصبح بإمكان أي أحد أن يذهب إليه ويتأكد من صحة أو كذب ما يتردد عن الشيخ. 

قرأت كثيرا للأديب يوسف إدريس الذي يراه البعض أمير القصة القصيرة في الوطن العربي، والذي عندما سُئل لماذا تكتب أجاب بحتي أغير العالم، ولكن توقفت عند كتاب ليس شهير من بين أعماله وعنوانه "أهمية أن نتثقف يا ناس" وبالتحديد الجزء الذي تناول معركة صحفية بين الشيخ الشعراوي والمثقفين، عندما قال الشيخ عن يوسف إدريس وزكي نجيب محمود وتوفيق الحكيم أنهم مضللين، وأن ورقة من كيس مناديل أكثر فائدة ونفعا من فكرة الصعود إلى القمر، ووقتها علق زكي نجيب محمود تعليقا ساخرا مفاده أن من فضائل الصعود إلى القمر فكرة الأقمار الصناعية والقنوات التلفزيونية التي جعلت من الشيخ الشعراوي نجما، ولكن إدريس قرر أن يكمل في المعركة وهاجم الشيخ هجوما ضاريا بل وصل الأمر به أنه شبه الشيخ براسبوتين رجل الدين الروسي المخادع، ورد عليه الشيخ ومؤيديه، واستمر إدريس في حملته وهاجم تصريح الشيخ بسجوده عندما وقعت نكسة 67 لأن بذلك انتهت دولة الظلم رغم أن راح ضحية هذه الحرب الآلاف من الجنود المصريين! 

انتهت معركة يوسف إدريس والشيخ الشعراوي بإعتذار الأول للأخير لا لأنه تراجع عن رأيه في الشيخ ولكن - كما يقول في كتابه- لأن جاءته تهديدات  تحذره وتخيره بين التوقف عن حملته أو تشويه وجه ابنته "نسمة" بماء النار، فاختار ألا يستمر في معركة سلاحه فيها قلمه وبينما سلاح الآخر قنابل وبرود، وكتب أعتذار رسمي على صفحات الجريدة التي خاض عليها معركته، كتب فيه أن الهجوم كان مجرد غلطة مطبعية! 

قبل أيام لفت انتباهي كتاب يحمل عنوان "الشيخ الشعراوي وعدوية" للوهلة الأولي قلت في داخلي "إيه لم الشامي على المغربي؟" ولكن العنوان شدني وقررت أن اقرأ الكتاب، خاصة أن عدد صفحاته قليلة نسبيا، وبعد صفحات أدركت ما يقصده المؤلف من العنوان، ألا وهو أن الشيخ الشعراوي وعدوية كانوا افراز عصر السداح مداح، عصر بلغت فيه نسبة الجهل 70٪ من الشعب و الـ 30% المتعلمين منهم 70% غير مثقفين، عصر متدني فكريا وثقافيا لذلك انتج الشيخ وعدوية الذي يراهم الكاتب بداية تسطيح العقل المصري وانحدار الذوق الديني والفني وأن بعدما كان الإمام محمد عبده الرمز الأكثر علما وثقافة دينيا وأم كلثوم الرمز الأكثر رقيا فنيا، أصبح الشيخ الشعراوي وعدوية هم رموز القرن العشرين. 

يقول في موضع آخر في الكتاب أن وسائل الإعلام من الممكن أن تصنع نجما أو شريرا، وهذا ما حدث مع إمام الدعاة الذي جعلته وسائل الإعلام المسموعة والمرئية أو حتى المقروءة أشهر داعية في القرن العشرين، حيث كانت بداية الشيخ في برنامج نور على نور وهو برنامج كان يجيب عن الأسئلة الدينية الذي سريعا ما تحول إلى برنامج يفتي في كل الأمور دينية كانت أو علمية. وكان ظهور الشيخ مختلفا عن باقي الشيوخ الذين يتسموا بالوقار ونبرة الصوت الرزينة والأداء الحيادي، لأن الشعراوي كان يستخدم لغة الجسد في خدمة مشروعه الدعوى، فكان يحرك يديه ويهز رأسه وكتفه إلى الأمام والخلف ويجعل الحاضرين مشاركين له في الندوات عن طريق إلقاء الأسئلة عليهم في مختلف الموضوعات وتفاعلهم معه. 

ويضيف صاحب كتاب "الشعراوي وعدوية" أن الشيخ في فترة مبكرة في حياته عندما كان يكتب الشعر أنه كتب قصائد يمدح فيها الملك والدكتور طه حسين الذين في مرحلة أخرى في رحلة الشيخ أصبحوا أشرار وأعداء للدين، واستخدام الإخوة "الريان" الشيخ عندما ظهر معهم حتى يبارك شركة توظيف الأموال التي كانوا يديروها، وظهور الشيخ مع الريان يمنحه ثقة ومباركة دينية عند البسطاء من الشعب. 

ويختم الكتاب بأن الشيخ كان يرفض فكرة نقل الأعضاء والعلاج في الخارج، لأن هذا قضاء الله ويجب على المؤمن ألا يخالفه، ولكن عندما مرض الشيخ ذهب للعلاج في أفخم المستشفيات الأوروبية، ويأخذ عليه أيضا تأييده للرئيس السادات الذي جعله يقف في مجلس الشعب ويهتف قائلا السادات لا يسُئل، عندما طلب أحد أعضاء المجلس استجواب الرئيس، ووقتها اعترض على كلام الشعراوي أحد الأعضاء وقال للشيخ أجلس يا شعراوي، فأنت بذلك جعلت من السادات إله، وأيضا تفاخر الشيخ بأنه لم يقرأ منذ 30 عاما كتابا غير القرآن الكريم، ويرى الكاتب هذا ليس مدعاه للفخر وعلى الشيخ العالم الذي يفتي في مختلف الأمور أن يكون قارئا جيدا ومتابع لجديد الكتب والرد عليها مثلما كان يفعل الشيخ الغزالي رحمه الله، فكيف يفتي الشيخ في الأمور العلمية والتاريخية وما إلى ذلك وهو لم يفتح كتابا منذ أكثر من ثلاثون عاما! 

في النهاية لقد قمنا بعرض ما جاء في كتابين من أشهر الكتب التي اختلفت مع الشعراوي، وسقنا أهم الاتهامات التي وجهت إلى الشيخ، والتي تؤكد أن الهجوم الضاري الذي حدث في الفترة الأخيرة على الشيخ ليس بالأمر الجديد على القارئ العالم بحوادث التاريخ، لأن التاريخ يعيد نفسه وعلينا أن نتعلم من دروسه، وأن نكون مشاركين وفاعلين له، حتى لا نكون مجرد مرددين يبهرنا العادي ويخدعنا أبالسة التزييف.
الوسوم:

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *