الإيموبيليا.. عمارة الفن والهلس
زمان كانت تُعرض
المسرحية على المسرح ولو حققت نجاح تُنشر في كتاب، أحمد شوقي نفسه أمير الشعراء كان
لا يجرؤ على نشر مسرحية في كتاب قبل عرضها على المسرح وتحقيقها نجاح مقبول، لحد ما
جاء توفيق الحكيم الذي قرر أن النشر يسبق العرض، وأنه يجعل هناك قارئ وجمهور للمسرحية
المكتوبة زي الشعر والرواية، ومن هنا أخذ توفيق الحكيم لقب أبو المسرح.
بدأ المسرح يأخذ
مكانته بين الرواية والشعر، ولكن بحكم السنين وتبدل الأحوال بدأ المسرح في التراجع
أمام الرواية اللي سيطرت على الساحة الثقافية، وكذلك الشعر اندثر نسبيا عند مقارنته
برواج وانتشار الرواية، وأصبحت دور النشر الخاصة تفكر ألف مرة قبل نشر ديوان شعر أو
مسرحية إلا إذا كان صاحب النص ذائع الصيت حتى لو كان بلا أي موهبة حقيقية، بالتالي
في الأغلب الأعم يلجأ الكتّاب إلى كتابة الرواية حتى لا يقف في طابور طويل، لا أحد
يريد أن يكون توفيق حكيم جديدا ويأخذ خطورة جريئة في محاولة لإحياء المسرح المكتوب
ويكون له جمهور وينافس الرواية، لذلك ولذلك كله أي محاولة أو تجربة لإحياء واستعادة
دور المسرح تستحق الإشادة والثناء إذا كانت محاولة حقيقية مصدرها الموهبة والاجتهاد.
الإيموبيليا..
أشهر عمارات القاهرة، كانت السكن المفضل لمشاهير المجتمع فى الأربعينيات والخمسينيات
من القرن الماضي، وهى ضمن ممتلكات المليونير المصري "أحمد باشا عبود"
أغنى أغنياء مصر في ذلك الوقت، كان يقطنها أساطين وصناع الفن والسياسة ومصائر العباد
والبلاد أيضا، كشكش بيك "نجيب الريحاني" وموسيقار الأجيال "محمد عبد
الوهاب" والجميلة قيثارة الغناء "ليلى مراد" والطيب الشرير "أنور
وجدي" وصاحبة العيون المغوية واللي رؤيتها تسر الناظرين "اسمهان" والشخصية
المركبة "أحمد سالم" والحلوة "كاميليا" والأميرة "شويكار"
والديكتاتور "اسماعيل صدقي" وأخرون.
مسرحية الإيموبيليا
أول عمل أدبي في تاريخ مصر الحديث يتناول أسرار هذه عمارة، تكشف المسرحية خبايا عمارة
المشاهير التي دارت بها العديد من الحكايات المثيرة لمشاهير الفنانين والكتاب ورجال
السياسة؛ وتترجمها إلى تابلوهات فنية نعيش من خلالها كواليس وأسرار سكان تلك البناية
العريقة التي تمثل جزءا حيا من تاريخ القاهرة الحديث، وجعلت العمارة الشهيرة خشبة مسرح،
مسرح يقف عليه عمالقة وهم سكان الايموبيليا، الكتابة عن التاريخ أو جعل التاريخ مادة
لعمل أدبي أو سينمائي هي مجازفة ومخاطرة حتى لو كانت عن فترة آمنة، لأن هناك تاريخ
رسمي يكتبه أبالسة تزييف الحقائق في الغالب وتاريخ موازي ضد، وهناك أرامل وحراس لهذه
الفترة أيضا، بالتالي عشان تقترب من الفترة دي وتكتب عنها فأنت محتاج إلى الرجوع ومطالعة
ومقارنة مئات المراجع والسير والتاريخ الرسمي والغير رسمي، تستقي التاريخ من مصادر
متنوعة ومتعددة ثم تخرج برؤيتك الخاصة، رؤية وقراءة للأحداث لأن الحدث الأصل مينفعش
تغييره خاصة أنه عمل واقعي غير فانتازي أو سيريالي، وهو عمل متعب لأنه يحتاج البحث
الطويل والمثابرة عكس عمل مصدره الخيال وفقط أهبد ومحدش هيراجع وراك.
بدأت قراءة المسرحية
بمشاعر حيادية وبدون أحكام مسبقة، حاولت أكون متحررا من أي آراء أو أصداء دائما بتتردد،
عملا بمبدأ اقرأ وأخرج بحكمك الخاص لأن الإنسان هو رأيه على رأي سارتر، خاصة أن المسرحية
بتتكلم عن شخصيات وفترة بحبها، وقرأت عن الفترة وعنهم كتير، دائما بعتبر سيرة الفنان
أو السياسي أو حتى الشخص العادي هي سيرة لمصر وتاريخها في فترة ما، لأن حياة الشخص
تتصل بالاجتماع والاقتصاد والسياسية بالتالي هي سيرة للأوضاع التي عاصرها، ورغم أن
أغلب المعلومات والأحداث اللي وردت في المسرحية مرت عليا وأعلمها ولكن كنت منبهر بصياغة
وترتيب الأحداث في قالب مسرحي شائق محكم البناء، والقراءة والتناول الذكي للأحداث والقطع
والتنقل والفلاش باك بحرفية متناهية، مفيش حوار مطول يقرب إلى الثرثرة والحشو، والتحرر
من الإيديولوجية عند الكتابة، أنا شخص بمل من قراءة المسرحيات ولكن هنا لم يتسرب الملل
إلى ورغم معرفتي السابقة باللي هيحصل ولكن كنت بقفز على الكلمات والسطور حتى أعرف وماذا
بعد؟ وده حصل لحد آخر سطر فيها، المسرحية حجمها مش صغير حوالي 250ص ولكنها شديدة الإمتاع
خلصتها في قعدة، في كام ساعة وهذا لا بيحدث كثيرا، لدرجة لما قلت للكاتب على فكرة أنا
خلصت المسرحية قالي: "نعم يا أخويا.. مسرحية كتبتها في سنتين تخلصها في قعدة؟"
قلت: "ما هي حلوة وده هدف الفن والأدب عامة المتعة قبل أي شيئ آخر".